في المضاربة يتم تقسيم الأرباح بين الممول والمشغل حسب النسبة المتفق عليها بينهما ، والسؤال : هل يجوز شرعاً أن يتفق الطرفان على أن يتقاضى المشغل راتباً شهريّاً ثابتاً إضافة للنسبة المتفق عليها ؟ .
الحمد لله.
المضاربة – وتسمى في كتب الفقه " القِراض " – عقد شراكة بين صاحب المال بماله ، وبين العامل بها بعمله ، ومن شروط هذه المضاربة حتى تكون صحيحة : أن لا يُضمن رأس المال لصاحبه ، ولا يُعطى صاحب المال مبلغاً ثابتاً ، بل له نسبة من الأرباح بحسب ما يتفقان عليه ، والعامل بالمال قد أخذ مقابل عمله تلك النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال .
لذا فقد أجمع العلماء على عدم جواز أخذه مبلغاً ثابتاً مقابل عمله مع نسبته في الربح ؛ لأنه قد لا يُنتج المال إلا ما يأخذه هو ، فيكون رابحاً دون صاحب المال ، ولو كان هو شريكاً بماله : فله أن يأخذ مقابل عمله إن هو عمل بنفسه ، سواء هو أو شريكه ، وهذا الذي قلناه لا نعلم خلافاً فيه بين أهل العلم .
وهذه طائفة من أقوال العلماء تبين شروط المضاربة ، وأن ما جاء في السؤال من أخذ المضارب راتباً شهريّاً هو مما يفسد هذا العقد :
أ. قال الشيخ سيد سابق – رحمه الله - :
ويشترط في المضاربة الشروط الآتية :
1. أن يكون رأس المال نقداً ، فإن كان تِبراً ، أو حُليّاً ، أو عروضاً : فإنها لا تصح ، قال ابن المنذر : " أجمع كل من نحفظ عنه أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديْناً له على رجل مضاربة " انتهى .
2. أن يكون معلوماً ؛ كي يتميز رأس المال الذي يتجر فيه من الربح الذي يوزع بينهما حسب الاتفاق .
3. أن يكون الربح بين العامل وصاحب رأس المال معلوماً بالنسبة ، كالنصف ، والثلث ، والربع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها " .
وقال ابن المنذر : " أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القِراض إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة " انتهى .
وعلة ذلك : أنه لو اشترط قدراً معيناً لأحدهما : فقد لا يكون الربح إلا هذا القدر ، فيأخذه من اشترط له ، ولا يأخذ الآخر شيئاً ، وهذا مخالف المقصود من عقد المضاربة الذي يراد به نفع كلٍّ من المتعاقدين .
4. أن تكون المضاربة مطلقة ، فلا يقيد رب المال العامل بالاتجار في بلد معين ، أو في سلعة معينة ، أو يتجر في وقت دون وقت ، أو لا يتعامل إلا مع شخص بعينه ، ونحو ذلك من الشروط ؛ لان اشتراط التقييد كثيراً ما يفوِّت المقصود من العقد ، وهو الربح .
فلابد من عدم اشتراطه ، وإلا فسدت المضاربة .
وهذا مذهب مالك والشافعي .
وأما أبو حنيفة وأحمد : فلم يشترطا هذا الشرط وقالا : " إن المضاربة كما تصح مطلقة : فإنها تجوز كذلك مقيدة " .
...
وليس من شروط المضاربة بيان مدتها ؛ فإنها عقد جائز يمكن فسخه في أي وقت .
وليس من شروطها أن تكون بين مسلم ومسلم ، بل يصح أن تكون بين مسلم وذمي .
" فقه السنة " ( 3 / 205 – 207 ) .
ب. قال الكاساني الحنفي – رحمه الله – في بيان شروط عقد المضاربة - :
ومنها : أن يكون المشروط لكل واحد منهما من المضارب ورب المال من الربح جزءاً شائعاً ، نصفاً ، أو ثلثاً ، أو ربعاً , فإن شرطا عدداً مقدراً بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة درهم من الربح ، أو أقل ، أو أكثر ، والباقي للآخر : لا يجوز , والمضاربة فاسدة ؛ لأن المضاربة نوع من الشركة ، وهي الشركة في الربح , وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح ؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور ، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر , فلا تتحقق الشركة , فلا يكون التصرف مضاربة ، وكذلك إن شَرَطا أن يكون لأحدهما النصف ، أو الثلث ، ومائة درهم ، أو قال إلا مائة درهم : فإنه لا يجوز ؛ لأن المضاربة نوع من الشركة ، وهي الشركة في الربح ، وهذا شرط يوجب قطع الشركة في الربح ؛ لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور ، فيكون ذلك لأحدهما دون الآخر ، فلا تتحقق الشركة ، فلا يكون التصرف مضاربة .
" بدائع الصنائع " ( 6 / 85 ، 86 ) .
ج. وقال الشيرازي الشافعي – رحمه الله - :
ولا يجوز أن يختص أحدهما بدرهم معلوم ثم الباقي بينهما ؛ لأنه ربما لم يحصل ذلك الدرهم ، فيبطل حقه ، وربما لم يحصل غير ذلك الدرهم ، فيبطل حق الآخر .
انظر " المجموع شرح المهذب " ( 14 / 366 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 114537 ) .
والخلاصة : أنه لا يجوز للعامل المضارب أن يكون له راتب شهري ، وأنه ليس له إلا النسبة المتفق عليها بينه وبين صاحب المال .
والله أعلم