ترجمة أويس القرني رحمه الله
سمعت الكثير ، ووردتني الكثير من الإيميلات عن تابعي ( أحيانا يذكر أنه صحابي ) يسمى أويس القرني ، وعن بره بوالدته .
هل من الممكن أن تتكرموا علينا بذكر قصته وسيرته ؟
هل فعلا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه له مكانة خاصة ؟
كيف كان بره بأمه - إن صح - أنه فضل لبره بأمه ؟
جزاكم الله كل خير وقرب منه .
الجواب
الحمد لله.
أولا :
أويس القرني : أبو عمرو : أويس ، بن عامر ، بن جزء ، بن مالك ، القرني ، المرادي
اليماني ، من سادات التابعين ، والأولياء الصالحين ، أدرك زمن النبي صلى الله عليه
وسلم وأسلم ولكنه لم يلقه ، منعه من السفر إليه بره بأمه كما حكى ذلك الحافظ أبو
نعيم في " حلية الأولياء " (2/87) عن أصبغ بن زيد ، فليس هو من الصحابة ، وإنما هو
من التابعين .
ولد ونشأ في اليمن .
قال عنه الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (4/19) :
" القدوة الزاهد ، سيد التابعين في زمانه ، كان من أولياء الله المتقين ، ومن عباده
المخلصين".
ثانيا :
عقد الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم بابا في فضائله ، وأورد تحته ما
أخرجه الإمام مسلم رحمه الله من أحاديث في فضله ، منها حديث رقم (2542) :
عنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ :
( كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ
أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى
عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ :
مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ
فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ لَكَ
وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ
أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ
بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا
بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ
يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ) فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ . فَقَالَ
لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ . قَالَ : أَلَا أَكْتُبُ لَكَ
إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ .
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ
، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ
قَلِيلَ الْمَتَاعِ .
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ
مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ
دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ )
فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا
بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أَنْتَ
أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟
قَالَ : نَعَمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى
وَجْهِهِ .
قَالَ أُسَيْرٌ : وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً ، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ
: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ ؟ )
كما عقد الإمام الحاكم في " المستدرك " (3/455) بابا في مناقبه ، وقال عنه :
" أويس راهب هذه الأمة " انتهى.
ولعل من أعظم ما روي في مناقبه الأحاديث الواردة في شفاعة رجل من أمة محمد صلى الله
عليه وسلم لأناس كثيرين ، وقد جاءت من روايات كثيرة ، أصحها حديث عبد الله بن أبي
الجدعاء مرفوعا: ( ليدخُلَنَّ الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم ) رواه
الترمذي (رقم/2438) وقال حسن صحيح . وصححه الألباني .
فقد صح عن الحسن البصري أن هذا الشافع هو أويس القرني ، وورد ذلك في أحاديث أخرى
مرفوعة لكنها ضعيفة .
ورويت في فضله أحاديث أخرى ضعيفة ، منها حديث طويل جاء فيه : ( ليصلين معكم غدا رجل
من أهل الجنة ...ذاك أويس القرني ) ...إلى آخر الحديث ، وفيه حوار مطول بينه وبين
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب .
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (2/81) وأشار إلى ضعفه . وقال الشيخ الألباني
في " السلسلة الضعيفة " (رقم/6276) : منكر جدا .
يقول ابن الجوزي رحمه الله – وقد عقد في كتابه " الموضوعات " بابا في ذكر أويس - :
" وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر ، وأخبره رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال : ( يأتي عليكم أويس ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) فأطال
القُصَّاص في حديث أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره " انتهى باختصار.
" الموضوعات " (2/44) .
ثالثا :
قد ذكر العلماء في ترجمته بعض القصص التي تدل على صلاحه وزهده رحمه الله ، ومن أشهر
مَن روى ذلك الحافظ أبو نعيم في كتابه العظيم " حلية الأولياء " ، فكان مما جاء فيه
بسنده (2/79) عن أبي نضرة عن أسير بن جابر قال :
" كان محدث بالكوفة يحدثنا ، فاذا فرغ من حديثه يقول : تفرقوا . ويبقى رهط فيهم رجل
يتكلم بكلام لا أسمع أحدا يتكلم بكلامه ، فأحببته ، ففقدته ، فقلت لأصحابي : هل
تعرفون رجلا كان مجالسنا كذا وكذا ؟ فقال : رجل من القوم : نعم أنا أعرفه ، ذاك
أويس القرني . قلت : أفتعرف منزله ؟ قال : نعم . فانطلقت معه حتى جئت حجرته ، فخرج
إلي فقلت : يا أخي ما حبسك عنا ؟ قال : العري . قال : وكان أصحابه يسخرون به
ويؤذونه . قال : قلت : خذ هذا البرد فالبسه . قال : لا تفعل ، فإنهم إذًا يؤذونني
إذا رأوه . قال : فلم أزل به حتى لبسه ، فخرج عليهم ، فقالوا : مَن ترون خدع عن
برده هذا . فجاء فوضعه فقال : أترى !
قال : فأتيت المجلس فقلت : ما تريدون من هذا الرجل ! قد آذيتموه ، الرجل يعرى مرة
ويكتسي مرة . قال : فأخذتهم بلساني أخذا شديدا " انتهى.
رابعا :
قد روي عن أويس كثير من الكلمات النورانية التي تفيض بالحكمة والموعظة :
عن سفيان الثوري قال : كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض وكان يقول :
" اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة ، وجسد عار ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي
بطني " انتهى.
رواه الحاكم في " المستدرك " (3/458)
ومن كلامه أيضا رحمه الله في الحث على الخوف من الله ودوام مراقبته :
" كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم " انتهى.
رواه الحاكم في " المستدرك " (3/458)
وعن أصبغ بن زيد قال :
" كان أويس القرني إذا أمسى يقول : هذه ليلة الركوع ، فيركع حتى يصبح ، وكان يقول
إذا أمسى : هذه ليلة السجود ، فيسجد حتى يصبح . وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من
الفضل من الطعام والثياب ثم يقول : اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به ، ومن مات
عريانا فلا تؤاخذني به " انتهى.
رواه أبو نعيم في " حلية الأولياء " (2/87) وقوله " فيركع حتى يصبح...ويسجد حتى
يصبح " أي يطيل الركوع في الصلاة حتى يصبح ، ثم في ليلة أخرى يطيل السجود في الصلاة
حتى يصبح ".
وعن الشعبي قال :
" مر رجل من مراد على أويس القرني فقال : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت أحمد الله . قال
: كيف الزمان عليك ؟ قال : كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أن لا يمسي ، وإن أمسى ظن
أن لا يصبح ، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار ، يا أخا مراد ! إن الموت وذكره لم يدع
لمؤمن فرحا ، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهبا ، وإن قيامه
بالحق لم يترك له صديقا " انتهى.
" حلية الأولياء " (2/83)، ورواه الحاكم في " المستدرك " (3/458)
خامسا :
وأكثر أهل العلم يذهبون إلى أن وفاته كانت يوم صفين سنة (37هـ)، حيث قاتل مع علي بن
أبي طالب رضي الله عنه واستشهد هناك ، أسند ذلك الحاكم في " المستدرك " (3/460) إلى
شريك بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهما .
وذكر آخرون أنه غزا أذربيجان فاستشهد هناك . انظر : " حلية الأولياء " (2/83 ) .
والأول عليه الأكثر .
والله أعلم .