تزوج الثانية برغبة أمه وهو لا يحبها ولا يعطيها حقها من العشرة الحسنة
أنا متزوج من امرأتين ، لكن قلبي معلق في الأولى ، وأهلي لا يحبونها بسبب سوء تفاهم كبير حصل بينهم على فترة 4 سنوات ، فتزوجت تحت رغبة والدتي غير المعلنة من امرأة ثانية ، لكن الزواج كان تقليديّاً , ولم أشعر بأني تزوجت إلا عند ليلة الدخول ، عندها تساءلتُ ماذا فعلت ؟ وأصبح الآن لي ولد من الثانية ، لكن لا أملك أي شعور تجاه الزوجة الثانية منذ البداية حتى هذه اللحظة ، حتى إني أجد صعوبة بالغة في إعطائها حقها الشرعي ، أو أن أقول لها كلمة جميلة ، وكل يوم تزداد الفجوة بيننا ، ويزداد عذابي ، مع العلم أنها متدينة ، وأهلي يحبونها ، لكن المشكلة عندي ، أحب أن أتهرب حتى من الانفراد معها ، لكني لا أكرهها ، ولا أحبها , ماذا أفعل ؟ .
جزاكم الله خيراً
الجواب
الحمد لله.
قد أخطأت أيها الفاضل في زواجك الثاني ، وإنما كان يجب أن يكون زواجك تبعاً لرغبتك
واختيارك ، لا لرغبة والدتك واختيارها ، وهو ما سبَّب لك تلك المعاناة ، والعذاب ،
وما ذاك إلا لأنك واجهتَ أمر الزواج عمليّاً ، وأصبحت تعرف مخالفتك للشرع بظلم تلك
المرأة الثانية والتي لا ذنب لها بسوء معاملتك لها .
والحل الذي تطلبه منا موجود في كتاب الله تعالى :
1. أن تعاشرها بالمعروف ، وتعطيها حقها ، قولاً ، وفعلاً .
قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من
الآية 228 .
وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة ،
والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها صحبة جميلة ، بكف الأذى ، وبذل
الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها بحقها ، وهي كذلك عليها ما عليه
من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ، ومكان ، وحال ، ما يليق به.
" تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 132 ) .
2. فإن لم تستطع إعطاءها حقوقها من العشرة الحسنة : فسرحها ، وتخلص من عذابك ،
وتعذيبك لها .
قال تعالى : ( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ )
البقرة/ من الآية 231 .
وننبهك أخي الفاضل إلى أمرين :
الأول : أنك قد تكره زوجتك لعدم التوافق بينكما ، لكن يجعل الله تعالى في حياتكما
خيراً عظيماً عميماً ، وذلك بأن تُرزق بسبب تدينها ، وطاعتها ، ودعائها ، أو تُرزق
منها بذرية صالحة طيبة ، تكون لك ذخراً في الدنيا ، والآخرة .
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ من
الآية 19 .
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - :
وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم
لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم في الدنيا ، والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه
الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ،
وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ
منها آخر ) .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 ) .
الثاني : أنه ليس من اللازم أن تكون تحبها ، حتى تعطيها حقها ، بل حقها واجب عليك ،
حتى ولو كنت تكرهها ، ومن باب أولى : إن كنت لا تكرهها ، كما تقول أنت ، ولو كان
ذلك بتكلف ، واستكراه لنفسك ، ولو كنت تتعاطى الدواء الذي يعينك على عفتها ، فافعل
، وأعطها حقها عليك .
قال عمر رضي الله عنه لرجل همّ بطلاق امرأته: لم تطلقها ؟
قال: لا أحبّها .
قال: أوكل البيوت بنيت على الحب ، وأين الرعاية والتذّمم ؟!! [ عيون الأخبار، لابن
قتيبة 3/18] .
والمعنى : اصبر على أذية صديقك وأهلك ؛ فإن حال الناس مع أهلهم وأصدقائهم مثل حالك
ونحوه ، وربما اجتمع القوم على غير رضا بعضهم ببعض ، ومحبة بعضهم لبعض ، ولكن حاجة
كل واحد منهم إلى الآخر تجمعهم !!
فبالرعاية يتراحم أهل البيت فيما بينهم ، ويعرف كل واحد منهم واجبه تجاه الآخر ،
وبالتذمم ، وهو التحرج ، يحاذر كل واحد أن يفترق الطريق عنده ، أو يتشتت الشمل على
يديه .
وكل ما نريد أن نقوله هنا : إنه من الممكن دائما أن تسير سفينة البيت ، والمجتمع
أيضا ، نحو بر النجاة ، حتى ينزل ركابها ، كلٌ في مرساه ، رغم كل ما يواجهها من
رياح وعواصف ، ومن الممكن أن نمضي في الطريق إلى آخره ، رغم كل ما يواجهنا من عقبات
ومزالق ، إذا نحن تعلمنا كيف نسير ، وحاذرنا من الوقوف في بنيات الطريق !!
والله أعلم