لماذا اللعب بالورق، أعني مجرد اللعب (من دون قمار)، يعد حراما؟ ونحن لا نلعب على أموال .
الحمد لله.
سئلت اللجنة الدائمة عن لعب الورق إذا كان لا يلهي عن الصلاة ومن غير أموال فأجابت :
اللعب بالورق لا يجوز ، ولو كان بغير عوض ، لأن الشأن فيه أنه يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، وإن زعم أنه لا يصدُّ عن ذلك ، ثم هو ذريعة إلى الميسر المحرم بنص القرآن ، قال تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) المائدة .
وهذه اللعبة لها أثر على المجتمع ، فإن روابط المجتمع السليم تتحقق بأمرين : اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ، ويتفكك المجتمع بترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات ، وهذه اللعبة من العوامل التي تؤثر على المجتمع ، فهي سبب في ترك الصلاة جماعة ، وينشأ عنها التباعد والتقاطع والشحناء والتساهل في ارتكاب المحرمات كما أنها مورثة للكسل عن طلب الرزق .
فتاوى إسلامية 4/436
أما تاريخ هذه اللعبة : فلا يُعلم على وجه التحقيق من هو الذي اخترع أرواق اللعب ( الكارتة ) أو متى وأين اخترعها ؟ فقد قيل إنها ذات أصل صيني أو هندي أو غير ذلك . على أن المؤرخين يجمعون على القول بأنها انتقلت من الشرق الأوسط إلى أوروبا في النصف الأخير من القرون الوسطى ، ويقول الخبراء أيضاً : إجماع الآراء بأن أوراق اللعب قد تطورت تطوراً واضحاً منذ ذلك الحين حتى الآن .
فقد ظهرت أوراق اللعب في القارة الأروبية بادئ ذي بدء في بلاد الأندلس ، وانتقلت معها إلى إسبانيا الشمالية في القرن الحادي عشر الميلادي .
وتتألف مجموعة أرواق اللعب في إسبانيا التقليدية من 40 ورقة تضم أرقام 1 إلى 7 ثم ثلاثة أشخاص أعلاهم رتبة هو النائب أي الوجيه ويليه في الرتبة وكيله ثم كاتبه أو فارسه .
وفي القرن السادس عشر طور الفرنسيون أوراق اللعب بحيث اقتصرت أشخاصها على الملك بدلاً من الوجيه ، والملكه بدلاً من نائب الوجيه ، والوصيف بدلاً من الفارس ، وأضافوا ثلاثة أرقام جديدة عليها ، فأصبحت تتألف من 52 ورقة ، وفي القرن السابع عشر أضاف الألمان شخصاً رابعاً وهو المهرج أو الجوكر .
وقد تقدمت الفتوى في حكم اللعب بها ويضاف لما تقدم أن اللعب بالورق تنعدم فيه المقاصد الإسلامية من مشروعية الترويح والترفيه ، فلا يكسب مهارة جهادية ولا خبرة علمية ولا فائدة اجتماعية ، أو استراحة نفسية تهدأ فيها الأعصاب وترتاح بها النفوس ، إنها لعبة مجردة من كل خير ، بل هي محض هرج وجدل وقتل وقت ، ترتكز على التخمين والحدس ، فشابهت النرد ، وتفضي إلى الخصام والشجار فشابهت الخمر والقمار .
وبناء على ما تقدم لا أبعد النجعة إن اخترت التحريم في حكمها على الكراهة ، قياساً على النرد والشطرنج بجامع التخمين في الأول والإفضاء إلى النزاع والخصام في الثاني .
وقد ذهب إلى نفس الاختيار الشيخ ابن حجر الهيثمي وبه قال علماؤنا المعاصرين الشيخ محمد بن صالح العثيمين من فقهاء الديار النجدية ، ونقله عن مشايخه ، بناء على إفضائها إلى العداوة والبغضاء ، والإلهاء الشديد والصدّ عن ذكر الله وضياع الأوقات وتفويتها في غير طاعة الله .
ويستأنس لصحة هذا الاختيار ما أصدره أحد ملوك فرنسا من أوامر تقتضي بمنع الناس من هذه العادة أثناء النهار ، وألقاء القبض على كل من يخالف هذا الأمر تحت طائلة القصاص . وذلك لما أدى إليه شغف الفرنسيين بهذه اللعبة ، إذ صاروا ينصرفون عن أعمالهم ومشاغلهم إلى لعب الورق .
ولم يكن القصاص الذي قرره هذا الملك يتعدى سجن المخالف مدة قصيرة ، ولكن ما لبث أن انضم إليه العامل الرادع في ضرب المخالف بالعصا ضرباً مبرحاً .
على أن هذه الأوامر وغيرها لم تستأصل عادة اللهو بورق اللعب سوى أن الناس فضلوا اللعب سراً لا علانية .
من كتاب قضايا اللهو والترفيه لمادون رشيد ص/ 185- 187.