الحمد لله.
أولاً:
اعلم أنه ينبغي أن يكون العمل الذي تعمل فيه مباحاً ، فاحذر أشد الحذر من الكسب المحرَّم من عملٍ محرَّم ، وإنما دعانا لقول هذا : ما ذكرتَه من كون المكان غير طاهر ، وإذا كنتَ تعمل في مطعم : فاحذر من طبخ الخنزير ، أو الميتة ، أو أن يكون المطعم يقدِّم الخمور .
وانظر جواب السؤال رقم : (125118) .
ثانيا :
لا يحل لمسلم أن يتيمم مع وجود الماء المقدور على استعماله ، ولا أن يمسح على قدميه مع قدرته على غسلهما .
وعليك أخي السائل أن تحتاط لوضوئك ، وأن لا تفرِّط فيه ، ويمكنك الوضوء قبل مجيئك للعمل ، كما يمكنك مغادرة العمل من أجل الوضوء ، والصلاة ، والمهم : أن عليك بذل الأسباب التي تتمكن من خلالها من القيام بالوضوء .
وإذا كان الأمر يتعلق بغسل الرجلين فقط : فإننا نفيدك بحلَّين شرعيين :
1. المسح على الجوارب ، ويكون ذلك بتوضئك وضوءًا كاملاً في بيتك ، ثم تلبس الجوربين على تلك الطهارة ، ولك أن تمسح عليهما يوماً وليلة ، وهكذا تصنع كل يوم .
2. غسل الرجلين غسلاً خفيفاً ، وهو ـ عند بعض أهل العلم ـ معنى المسح ، على قراءة الجر ، في لفظة ( وَأَرْجلكُم ) الواردة في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/ من الآية 6 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنَّة ؛ فإن المسح جنس تحته نوعان : الإسالة وغير الإسالة ، كما تقول العرب : " تمسحت للصلاة " ، فما كان بالإسالة فهو الغسل ، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح ، فالمسح يقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل .
" منهاج السنة " ( 4 / 172 ) .
وقال :
وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً .
" منهاج السنة " ( 4 / 174 ) .
فأصبحت الحلول المتوفرة لديك كثيرة ، وهو ما يقطع عذرك في عدم الوضوء ، أو عدم غسل الرجلين ، فكن على تنبه مما ذكرناه آنفاً .
ثالثا :
لا يجوز لك صلاة الفريضة جالساً مع قدرتك على القيام ؛ فإن القيام من أركان الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم ، وصلاتك جالساً مع تلك القدرة : يجعل صلاتك باطلة .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 67934 ) .
وعليك ـ أخي المسلم ـ الاهتمام بصلاتك أعظم من اهتمامك بعملك وباقي شئون دنياك ؛ فإن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً ، ولا بدَّ لك من العمل على الأسباب التي تمكنُّك من الصلاة قائماً ، ومن الصلاة على بقعة طاهرة ؛ لأن هذا أيضاً من شروط صحة الصلاة ، وإذا لم يوجد مكان طاهر في مكان عملك : فاخرج لغيره من الأماكن الطاهرة ، ولا تفرِّط في أحكام الصلاة ؛ فقد أمرك الله تعالى بإقامتها، ومن إقامتها : القيام بأركانها ، وشروطها ، وواجباتها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة ؛ فإن رفع الحدث ، وإزالة النجاسة - سواء كانت في البدن ، أو الثوب ، أو المكان المصلَّى فيه - : شرطان من شروط الصلاة .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 12 / 235 ) .
رابعاً:
من عادة الناس في بيوتهم أن ينشغل المرء بالأهل والأولاد ، ومتطلبات الحياة ، لذا فإن من يصلي في بيته يشعر بالفرق الكبير العظيم بينه وبين الصلاة في بيت من بيوت الله ، وإنه ليجد من النشاط في المسجد ما لا يجده في البيت ، ومن أسباب ذلك غالباً :
1. الصلاة في المسجد جماعة ، الصلاة منفرداً في البيت .
2. سماع القرآن من غيره في المسجد ، والسماع أبلغ من القراءة في التأثر .
3. عدم وجود ملهيات البيت في المسجد ، من أهل ، وأولاد ، وضوضاء .
4. ولا شك أن من يكون في ضيافة الله تعالى في بيته ، ليس حاله كمن ليس كذلك .
خامساً:
ما تقوم به زوجتك ـ بارك الله فيها ـ من حثك على إقامة الصلاة ، وأدائها في وقتها ، وجماعة في المسجد : ليس فقط حقا لها ، بل هو واجب عليها تجاهك ؛ وقد أثنى نبينا صلى الله عليه وسلم على من توقظ زوجها لصلاة الليل ، فكيف يكون الثناء لو كان ذلك حثّاً على صلاة الفرض ؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ) .
رواه أبو داود ( 1308 ) والنسائي ( 1610 ) وابن ماجه ( 1336 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله - :
والمراد : التلطف معها ، والسعي في قيامها لطاعة ربها ، مهما أمكن ، قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، وقال ابن الملِك : وهذا يدل على أن إكراه أحدٍ على الخير يجوز ، بل يُستحب .
" عون المعبود " ( 4 / 135 ، 136 ) .
وأخيراً :
نشكر لك اهتمامك بالصلاة عمود الدين ، وحرصك على معرفة أحكامها ، وحرصك على أدائها كما شرعها الله تعالى ، ونوصيك خيراً بها ، وأن تظل على صلة بربك بصلاتك خاصة ، وعموم طاعتك ، واشكر لزوجتك حرصها على دينك ، وعلى عدم التسبب بسخط الله ، فمثل هذا الفعل منها يدل على قوة دين ، ورجاحة عقل .
والله أعلم