الحمد لله.
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعوضك خيراً مما أنفقت ، وأن يعجل لك قضاء ديونك .
وقد أحسنت بنيتك الطيبة في إعانة الآخرين ، وحرصك على أن تكون الأعطية مجزية .
وأما استدانتك من أجل ذلك ، فكان هذا غير لازم لك ، ولكنك فعلته إحساناً إلى الناس ، وكنت تظن أنك قادر على سداد تلك الديون .
ولذلك لا نرى لأحد أن يلومك على ذلك ، ولا تندم على شيء فعلته لله ولم تكن متعدياً فيه ولا مقصراً .
والواجب على الدائنين إمهالك حتى تكون قادراً على قضاء الدَّين ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 280 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" أي : وإن كان الذي عليه الدين معسراً ، لا يقدر على الوفاء : وجب على غريمه أن ينظره إلى ميسرة ، وهو يجب عليه إذا حصل له وفاء بأي طريق مباح : أن يوفي ما عليه ، وإن تصدق عليه غريمه - بإسقاط الدين كله ، أو بعضه - : فهو خير له " انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 959 ) .
ونبشرك بأن الله تعالى قد وعد مَنْ يأخذ أموال الناس يريد أداءها : أنه تعالى يعينه على سداده في الدنيا ، أو يؤديها عنه في الآخرة ، بإسقاط الإثم ، وإرضاء المدين .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ) . رواه البخاري ( 2257 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" ولكن بشرى للإنسان : أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها : أدى الله عنه ، وإذا أخذها يريد إتلافها : أتلفه الله ، فإذا أخذت أموال الناس بقرضٍ ، أو ثمن مبيع ، أو أجرة بيت ، أو غير ذلك ، وأنت تريد الأداء : أدَّى الله عنك ، إما في الدنيا يعينك حتى تسدد ، وإما في الآخرة ، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أما المتلاعب بأموال الناس ، والذي يأخذها ، ولا يريد أداءها ، ولكن يريد إتلافها : فإن الله يتلفه ، والعياذ بالله " انتهى .
" شرح رياض الصالحين " ( 6 / 32 ) .
ثانياً:
أما ما اقترحه عليك أهلك من مطالبة مَن كنت ساعدته في سالف الأيام : فهو اقتراح في غير محله ، وقد يكون ذلك نوعاً من الرجوع في الصدقة ، وأنت أخرجت هذا المال لله ، فلا يجوز لك الرجوع فيه .
فعَنْ عُمَرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَضَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : ( لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أُعْطِيتَهُ بِدِرْهَمٍ ولا تعُد في صدقتك فَإِنَّ مَثَلَ الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ ) .
رواه البخاري ( 1419 ) و ( 2841 ) ومسلم ( 1620 ) و ( 1622 ) .
ومطالبة أولئك الذين أحسنتَ إليهم بشيءٍ مما بذلته لهم : هو من الأذى الذي نهى الله تعالى عنه ، والذي يسبب بطلاناً للصدقة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ) البقرة/ 264 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" يمدح تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ، ثم لا يُتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منّاً على مَن أعطوه ، فلا يمنُّون على أحد ، ولا يمنُّون به ، لا بقول ، ولا فعل .
وقوله : ( وَلاَ أَذَى ) أي : لا يفعلون مع مَن أحسنوا إليه مكروهاً يحبطون به ما سلف من الإحسان " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 693 ) .
واستعن بالله ربك على أداء ديونك ، ونسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .