الحمد لله.
الواجب في الوضوء غسل الأعضاء مرة ، والتأكد من وصول الماء إلى العضو ، فإن لم يصل الماء إلا بالدلك تعيّن ، وإلا ، فالدلك سنة .
والواجب إيصال الماء بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة ، بالتخليل أو غيره ، فإن خلل مع كل غسلة من الثلاث فلا بأس ، وليس شرطا ، إنما الواجب التأكد من وصول الماء إلى ما بين أصابع اليدين والرجلين مرة واحدة على الأقل .
روى البخاري (157) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً "
قال النووي رحمه الله :
" أجمع العلماء على أن الواجب مرة واحدة " انتهى . َ
"المجموع" (1/465) ، وينظر: "شرح مسلم" (3/106) "المغني" : (1/94) .
ويراجع : جواب السؤال رقم (72450) .
ثانيا :
دلك العضو بالماء ، ليس خاصا بإدخال الماء بين الأصابع ، بل هو عام في كل عضو مغسول .
جاء في "الموسوعة الفقهية" :
" الدَّلْكُ لُغَةً : مَصْدَرُ " دَلَكَ " ، يُقَال : دَلَكْتُ الشَّيْءَ دَلْكًا مِنْ بَابِ " قَتَل " : مَرَسْتَهُ بِيَدِكَ ، وَدَلَكْتَ النَّعْل بِالأَْرْضِ : مَسَحْتَهَا بِهَا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ - كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ - : إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ إِمْرَارًا مُتَوَسِّطًا وَلَوْ لَمْ تَزُل الأَْوْسَاخُ وَلَوْ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ قَبْل جَفَافِهِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ هَل هُوَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الدَّلْكَ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ ، زَادَ الشَّافِعِيَّةُ : وَيُبَالِغُ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ ، فَقَدْ وَرَدَ : وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنَ النَّارِ [ متفق عليه ] .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ : هُوَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ ، قَال الْحَطَّابُ : وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَل هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لاَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
الْمَشْهُورُ : الْوُجُوبُ ، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُول مُسَمَّى الْغَسْل ، قَال ابْنُ يُونُسَ : لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ ، وَالأَْمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَلأَِنَّ عِلَّتَهُ إِيصَال الْمَاءِ إِلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلاً ، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْل اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْل وَالاِنْغِمَاسِ .
وَالثَّانِي : نَفْيُ وُجُوبِهِ ، وَهُوَ لاِبْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْل بِدُونِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ وَاجِبٌ لاَ لِنَفْسِهِ ، بَل لِتَحَقُّقِ إِيصَال الْمَاءِ ، فَمَنْ تَحَقَّقَ إِيصَال الْمَاءِ لِطُول مُكْثٍ أَجْزَأَهُ ، وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لأَِبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ .
"الموسوعة الفقهية" (43/358( .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
" واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء ، والغسل جريان الماء على الأعضاء ، ولا يشترط الدلك . وانفرد مالك والمزني باشتراطه " .
"شرح صحيح مسلم" (3/107) .
وأعدل الأقوال في "الدلك" هو القول الثالث عند المالكية ، وهو أن المقصود تحقق وصول الماء ؛ فإذا وصل بدون دلك : لم يجب عليه أن يدلك العضو المغسول ، وإلا وجب عليه ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وأما دلك البدن في الغسل ، ودلك أعضاء الوضوء فيه : فيجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه ، مثل باطن الشعور الكثيفة ، وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب.. " .
"شرح العمدة" (1/367-368) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وشُرع الدَّلك ليتيقَّن وصول الماء إلى جميع البَدَنِ، لأنَّه لو صَبَّ بلا دَلْكٍ ربَّما يتفرَّق في البدن من أجل ما فيه من الدُّهون، فَسُنَّ الدَّلك " .
"الشرح الممتع" (1/361) .
وقال أيضا :
" الواجب في الوضوء والغسل أن يُِّمِرّ الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره ، وأما دلكه فإنه ليس بواجب ، لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه ، كما لو كان الماء بارداً جداً ، أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك ، فحينئذٍ يتأكد الدلك ، ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره ... فالغسل هو الفرض ، والتدلك ليس بفرض"
"فتاوى نور على الدرب" (3/464( .
ثالثا :
وأما تخليل الأصابع ، فالمراد به إيصال الماء باليد ، في الخلال التي بين الأصابع .
روى أبو داود (142) والترمذي (788) وصححه عن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ : ( أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا ) .
وقد حمل الفقهاء ذلك الأمر بالتخليل ، على نحو ما حملوا عليه القول في التدليك ، كما مر.
قال في عون المعبود :
" وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب تَخْلِيل أَصَابِع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ" انتهى .
وهذا محمول على أن الماء لا يصل إلى ما بين الأصابع إلا بالتخليل باليد ، فإن وصل بغير التخليل فالتخليل سنة .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (11/49) :
" إيصَالُ الْمَاءِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالتَّخْلِيلِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْغُسْلِ , فَهُوَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ ; لقوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ) .
أَمَّا التَّخْلِيلُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ خِلَالَ الْأَصَابِعِ , فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ( الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ) أَنَّ تَخْلِيلَ الْأَصَابِعِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ : ( أَسْبِغْ الْوُضُوءَ , وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ ) , وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" السنة أن يخلل الأصابع : أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع ، لا سيما أصابع الرجل ؛ لأنها متلاصقة " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (8/7) .
والله أعلم .