الحمد لله.
أولا :
من الأمور المستحبة والمندوبة : إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في صلاة الجماعة ، وقد ورد في فضل ذلك جملة من النصوص والآثار .
ومن ذلك : ما رواه الترمذي (241) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى ، كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ : بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ) .
وهذا الحديث يروى موقوفا على أنس بن مالك رضي الله عنه ، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رجح الترمذي والدارقطني وقفه ، واختار الشيخ الألباني تحسينه مرفوعا . وللكلام حول الحديث ينظر جواب السؤال رقم (34605) .
وسواء صح مرفوعا أو موقوفا فله حكم الرفع ؛ لأن مثل هذا الحكم لا يقوله أنس رضي الله عنه اجتهاداً من عند نفسه ، فالظاهر أنه علم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ورد في فضل إدراك تكبيرة الإحرام أحاديث أخرى مرفوعة ولكنها لا تخلو من ضعف .
ينظر: "مجمع الزوائد" (2/123) ، "التلخيص الحبير" (2 /27).
وأما الآثار عن السلف في الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فكثيرة جداً ، ومنها :
1- ما جاء عن مجاهد قال : سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لا أعلمه إلا ممن شهد بدرا- قال لابنه : أدركت الصلاة معنا ؟
قال : نعم
قال : أدركت التكبيرة الأولى ؟.
قال : لا .
قال : لَمَا فاتك منها خير من مئة ناقة كلها سود العين . "مصنف عبد الرزاق" (2021).
2- قال سعيد بن المسيب : ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة . "حلية الأولياء" (2 /163) .
3- قال وكيع : كان الأعمش قريبا من سبعين سنة ، لم تفته التكبيرة الأولى ، واختلفت إليه قريبا من سنتين ، فما رأيته يقضي ركعة . "مسند ابن الجعد" (755) .
4-وعن إبراهيم قال: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه [يعني : لا خير فيه] . "حلية الأولياء" (4 /215) .
5- قال يحيى بن معين : سمعت وكيعاً ، يقول : (من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا ترج خيره) . "شعب الإيمان" للبيهقي (2652) .
قال ابن حجر: " وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى آثَارٌ كَثِيرَةٌ " . "التلخيص الحبير" (2 /131) .
فينبغي الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام .
ثانياً :
بماذا يدرك المأموم فضل تكبيرة الإحرام؟
للعلماء في ذلك عدة أقوال:
الأول: أن المأموم يدرك فضلها بحضوره تكبيرة إحرام إمامه ، وتكبيره بعده دون تأخير .
الثاني : أنه يدركها ما لم يشرع الإمام في الفاتحة .
الثالث : يدركها إذا أدرك الإمام قبل أن ينتهي من قراءة الفاتحة ، وهو قول وكيع حيث سئل عن حد التكبيرة الأولى ، فقال : " ما لم يختم الإمام بفاتحة الكتاب " . "طبقات المحدثين" للأصبهاني (3/219) .
الرابع : أنها تُدرك بإدرك القيام مع الإمام لأنه محل تكبيرة الإحرام .
الخامس : أنها تحصل بإدراك الركوع الأول مع الإمام ، وهو مذهب الحنفية .
ينظر: "رد المحتار" (4/131) ، " الفتاوى الهندية " (3 /11) ، " المجموع " (4/ 206) .
والقول الأول هو الأقرب ، وهو مذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وغيرهم .
قال النووي : " يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام ، وفيما يدركها به أوجه : أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته ، فإن أخر لم يدركها..." . "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1 /446).
وقال ابن رجب : " ونص [الإمام] أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى " .
وقال أيضاً : " وقد قال وكيع : من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضلية تكبيرة الإحرام.
وأنكر الإمام أحمد ذلك ، وقال : لا تُدرك فضلية تكبيرة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام " .
وقال ابن مفلح رحمه الله : " قَالَ جَمَاعَةٌ : وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَا تَحْصُلُ إلَّا بِشُهُودِ تَحْرِيمِ الْإِمَامِ ". "الفروع" لابن مفلح (1/521( .
وقال الحجاوي : " وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، وإنما تحصل بالاشتغال بالتحرم عقب تحرم إمامه مع حضوره تكبيرة إحرامه". " الإقناع " (1 / 151) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " السنة : إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا كبر فكبروا ) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب ، يعني : من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله : ( الله أكبر ) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك ، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام " . "لقاء الباب المفتوح" (2/192).
وفي "الملخص الفقهي" (1/140) للشيخ صالح الفوزان : " ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام " .
والله أعلم .