الحمد لله.
أولاً:
لم يختلف أهل العلم والدين في مسألتكم هذه ، فنصيبكن من ميراث والدكم : للذَّكَر مثل حظ الأنثيين ؛ لقول تعالى ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء/ من الآية 11 ، وترث أمُّكنَّ من الميراث : الثمُن ؛ لقوله تعالى ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/ من الآية 12 .
فالواجب على من تولى قسمة ميراثكم أن يُعطي كل ذي حقٍّ حقَّه ، وما أُخذ من نصيبكم فهو سحت على آكله ، ويجب عليه التوبة ، وإرجاع الحق لأهله .
ولم يكن لوالدكنَّ أن يغيِّر في نصيبكن من الميراث ، والخمس ليس نصاباً مفروضاً لأحد من الورثة ، لا في قضيتكنَّ ، ولا في غيرها ، بل هذا الذي فعله الوالد وأبناؤه الذكور من بعده ، هو من أحكام الجاهلية ، التي تضاد حكم الله وشرعه . قال الله تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة /50 .
وليس لأحدٍ كائناً من كان أن يغير من نصيب الورثة شيئاً ، فيسلبه من المستحق ، ويزيده ـ على هواه ـ لمن يشاء ، ولو كان كلامه وصية : فوصيته باطلة من جهتين : الأولى : أنها وصية لوارث ، وهي محرمة ، والثانية : أن فيها سلباً لحقوقكن التي شرعها لكنَّ رب العالمين ، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الأمرين في حديث واحد ، فعن أبي أُمَامَةَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) رواه الترمذي ( 2121 ) وأبو داود ( 2870 ) والنسائي ( 3641 ) وابن ماجه ( 2713 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ثانياً:
الورثة الشرعيون – ذكوراً وإناثاً - يرثون كل ما تركه مورِّثُهم ، من مال ، أو أعيان ، أو متاع ، قلَّ ، أو كثر ؛ لقوله تعالى ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) النساء/ 7 .
ونصيبكنَّ في المحلات التي تركها والدكنَّ لا يختلف عن نصيبكنَّ في المال الذي خلَّفه وراءه ، ويجب إشراككنَّ في ملكية تلك المحلات بحسب نصيبكنَّ ، كما هو الحال بالنسبة لوالدتكنَّ ، وأشقائكنَّ ، فإذا بيعت المحلات : أخذتنَّ من ثمنها نصيبكنَّ المحدد ، وإذا أُجِّرت : أخذتنَّ من إيجارها بقدر نصيبكنَّ الشرعي .
ومن أراد أن يشتري حصتكنَّ من أشقائكنَّ : فله ذلك ، فيقدَّر قيمة النصيب المراد بيعه ، ويباع على من يرغب بالشراء ، وليس للورثة أن يُلزموا شقيقاتهم بالبقاء شركاء في المحلات ، وصاحب النصيب حرُّ التصرف في البقاء ، أو البيع .
والديون التي ترتبت على المحلات بعد الوفاة : إنما هي على من تولى إدارتها إن كانوا قد اغتصبوا حقكنَّ فيها ، وهي ديونٌ مشتركة على جميع الورثة إن كانت البنات قد تمكنّ من أخذ نصيبهن ، إلا أنهن رضين ببقاء أشقائهنَّ يعملون فيها ، ويتولون إدارتها ، إلا أن يقع من الذكور : تعد أو تفريط في أمور الإدارة ، فعليهم وحدهم تحمل ذلك .
وإن كانت الديون على المحلات قد ترتبت عليها قبل وفاة والدكم : فتسدَّد من المحلات نفسها ، قبل تقسيمها على الورثة ؛ لما قاله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/ من الآية 11 ، فقضاء الديون ، والوصية يقدمان على تقسيم الميراث .
هذا هو حقكم الذي كفله لكم الشرع المطهَّر ، وما قاله والدكنَّ ، وما فعله أشقاؤكنَّ : ليس من الشرع في شيء ، فلكنَّ المطالبة بحقكنَّ من الجهات الشرعية ، وهي تحصِّل لكنَّ حقوقكنَّ .
ويجب عليكنَّ نصح أشقائكنَّ بالتوبة من أخذهم القروض الربوية ، كما تنصحونهم بتقوى الله وتذكرونهم باليوم الآخر ، ووجوب إعطائكن حقوقكن ، وليكن هذا قبل رفع الأمر للجهات الشرعية التي تضع الأمور في نصابها ، وتحصل لكن حقوقكن ، فلعلهم أن يتوبوا ويُرجعوا الحقوق من غير حاجة لرفع قضية ، وكما ننصحكم أيضاً بتوسيط أهل الخير بينكن وبين أشقائكم لإرجاع الحق لأهله ، فإن لم يستجيبوا لهذا ولا ذاك : فأنتم معذورون برفع قضية عليهم لاسترجاع حقكن المسلوب .
فإن عجزتم عن نيل حقكم في الدنيا ، ففي الآخر تقضى المظالم ، لا بالدرهم ولا بالدينار ، فلا شيء من ذلك كله هناك ، ولا قيمة له لو أنه كان موجودا ، بل بما هو أغلى وأعز : بالحسنات والسيئات :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ) .
رواه البخاري (6543) .
والله أعلم