الحمد لله.
أولاً : السنة في الشارب قصه وتخفيفه ، والأخذ منه حتى تبدو أطراف الشفة ، ولا يسن حلقه كاملاً ، وقد سبق بيان ذلك في السؤال رقم (103623) .
ثانياً : اختلف العلماء في طرفي الشارب - السبالان - هل هما من الشارب فيقصان معه ، أم من اللحية فيتركان .
قال ابن حجر : " وَأَمَّا الشَّارِب فَهُوَ الشَّعْر النَّابِت عَلَى الشَّفَة الْعُلْيَا ، وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ .
فَقِيلَ : هُمَا مِنْ الشَّارِب وَيُشْرَع قَصّهمَا مَعَهُ .
وَقِيلَ : هُمَا مِنْ جُمْلَة شَعْر اللِّحْيَة ". انتهى" فتح الباري" (10/346) .
والقول بتركهما من غير قص اختاره بعض العلماء من المالكية والشافعية .
ويدل عليه ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (1 / 66) عن إسحاق بن عيسى الطباع قال : رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك ؟
فقال : حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ.
وصححه الألباني في "آداب الزفاف" صـ 137.
قال النفراوي: " وَاَلَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَا كَذَلِكَ [ أي ليسا كالشارب] ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إبْقَائِهِمَا ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : إنَّهُمَا كَالشَّارِبِ" . انتهى من " الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2 / 495)
وقال البجيرمي: " وَلَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ السِّبَالَيْنِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ". انتهى من "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (5 / 261) ، ومثله في " أسنى المطالب" (1 /266).
وذهب إلى استحباب قصهما مع الشارب : الحنفية ، والحنابلة ، وبعض الشافعية . ينظر : "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (7 / 165) ، "مطالب أولي النهى" (1 / 85) ، "شرح منتهى الإرادات" (1 / 41) .
قال العراقي : " اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الشَّارِبِ ، هَلْ يُقَصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ ، أَمْ يُتْرَكُ السِّبَالَانِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؟
فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ : لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ ذلك لَا يَسْتُرُ الْفَمَ ، وَلَا يَبْقَى فيه غَمْرُ الطَّعَامِ ، إذْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ....
وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ بَقَاءَ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ ، بَلْ بِالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ." انتهى من "طرح التثريب" (2 / 77) ، وقريب منه كلام ابن نجيم في "البحر الرائق" (7 / 165) .
ويستدل لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ) رواه البخاري (5892( ، ومسلم (259).
قال المناوي : " والحديث يتناول السبالين - وهما طرفاه - لدخولهما في مسماه ". انتهى " فيض القدير" (1/198).
ويستدل على ذلك أيضاً بما رواه ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (12 /289) والبيهقي (716) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ ، فَقَالَ : إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ ، وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ ، فَخَالِفُوهُمْ .
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا ، كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ يُجزُّ الْبَعِيرُ .
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2834).
وبوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب اللباس بقوله : ( بَاب قَصِّ الشَّارِبِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ ، يَعْنِي : بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ ).
وقد ذكر الكشميري أن الذي عليه عمل السلف قص السبالين ؛ لأن اهتمامهم بنقل ترك عمر بن الخطاب لسباليه دليل على أن غيره لا يتركهما . ينظر : "العرف الشذي" (4/161).
والذي يظهر : أن في الأمر سعة ، فمن ترك طرف الشارب موصولاً فلا حرج عليه ، أسوةً بعمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن قصَّه فلا حرج عليه ، كما كان يفعل عبد الله بن عمر .
والأمر دائر بين استحباب قصه ، وجواز تركه .
وأما ترك الشارب ، وحلق طرفيه فقط كما يفعله البعض فليس من السنة .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5 / 275) : " ولا يجوز ترك طرفي الشارب ، بل يقص الشارب كله ، أو يحفيه كله ، عملاً بالسنة ".