الحمد لله.
أولاً:
هذا المنطق – أخي السائل – الذي تتحدث به ليس مقبولاً منك ، لا شرعاً ، ولا عقلاً ، وأنت لو كنتَ تعمل في بيئة سيئة ، وفوقك مدير يهينك ، ويحقرك ، أو يبخس حقك ، أو يحملك فوق طاقتك : لا نظن أنك تبقى في وظيفتك بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع " ! بل الظن أنك تغادر عملك غير متأسف عليه ، وتبحث عن عمل آخر ، تحفظ به كرامتك .
وظننا – أيضاً – أنه لو كان عندك جيران يسيئون في جيرتهم ، ويطلعون على عوراتكم ، ويؤذنوكم الليل والنهار : لكنتَ غادرت ذلك المنزل غير مأسوف عليه ، ولن ترضى لنفسك أن تبقى في العذاب بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع " ! أليس كذلك ؟ .
وما الفرق بين هذين الأمرين ، وبين وجود زوجة قبيحة الأخلاق ، طويلة اللسان ، وسيئة العشرة ، في ذمتك ، تراها طيلة الوقت وتراك ، وتنام معها وتنام معك ؟! إن الذي يدفعك لتغيير وظيفتك السيئة بمديرها ، وتغيير منزلك السيء بجيرانه : هو الذي ينبغي أن يدفعك لتغيير زوجتك سيئة العشرة ، ولا فرق .
فهل من المقبول ، عند أهل العقول ، أن يحتج المرء بالقدر في أمر الزوجية ، ولا يفعل الأمر نفسه في سائر أموره ! وأنت في كل ما سبق : لك الخيار أن تبقى في وظيفتك أو تغادرها ، وأن تبقى في منزلك أو تغادره ، وكذلك لك الخيار في أن تبقى مع زوجتك أو تفارقها ، فما اخترته لنفسك : لم يجبرك الله تعالى عليه ، بل أنت من اختاره لنفسه ، وعليك تحمل أثر ذلك وحدك .
لقد كان من الممكن أن نناقش هذا الذي تتحدث عنه في أمر القدر ، لو كان صاحب الشكوى هو الزوجة التي لا تملك أمر نفسها ، ولا تستطيع الفكاك من زوجها بتطليقه ، وربما لو استطاعت ذلك ، لأحجمت عنه لما تعلم من عواقب ذلك عليها ، أو لفقدها المأوى والعائل ؛ أما والشاكي هو الزوج ، فما أجدره بقول القائل :
أيهذا الشاكي ، وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا !!
ثم ما دخل الصلاة ـ يا رجل ـ بسوء عشرة زوجتك ، حتى تتركها ، ولماذا لم تبق على صلاتك على الأقل بحجة " أن الله اختار لك هذا الوضع " ! وسبحان الله كيف تمكَّن منك إبليس فجعلك تترك صلاتك التي علَّق الشرع الكفر على تركها ! وليس لك خيار في تركها ، وجعلك تتمسك بزوجتك التي استحب لك الشرع تطليقها ، وهي بالحال التي وصفت ؟! فما كان لك الخيار في تركه : تمسكت به بحجة القدر ! وما ليس لك الخيار في تركه : تركته ، ولم تحتج لا بالقدر ، ولا بالشرع ! فأي غفلة هذه عن شرع الله تعالى ، وأي تلبيس لبّسه الشيطان عليك ؟! .
ثانياً:
الواجب عليك – أخي السائل – الآن ألا تترك صلاة واحدة ، وأن تتوب إلى الله عز وجل من تلك الكبيرة ، والمعصية العظيمة ، وأن تربي نفسك على تعظيمها وإجلال شأنها ، فهي من أعظم شعائر الله ؛ بل هي أعظم شعيرة فرضها الله على عباده ، بعد توحيده ؛ وقد قال الله تعالى :
( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج /32 .
أوما علمت ـ يا عبد الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يدفع عنه الحزن ، بإقام الصلاة:
روى الإمام أحمد (22788) وأبو داود (1319) ـ وحسنه الألباني في صحيح الجامع ـ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى ) .
قال ابن الأثير : أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْر مُهِمّ ، أَوْ أَصَابَهُ غَمّ . انتهى .
فانظر ، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يفر إلى الصلاة ، ويلجأ إليها ، إذا أصابه هم أو حزن ، وأما أنت فتفر منها ؛ فيا عجبا كل العجب !!
وفي حكم تارك الصلاة : انظر جواب السؤال رقم : ( 5208 ) .
ثالثاً:
اعلم أن الشرع المطهَّر قد رغَّبك بنكاح ذات الدين ابتداء ، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن مقاصد الرجال في اختيار زوجاتهم مختلفة ، فمنهم من يبحث عن الجمال ، ومنهم من يبحث عن النسب ، ومنهم من يبحث عن صاحبة المال ، والوصية من النبي صلى الله عليه وسلم هي نكاح ذات الدِّين ، فأين احتجاجك القدر من ذلك وهو يوصيك بالبحث ، والتحري ، ونكاح من يسعدك في دنياك ، ويحفظ عليك عرضك ، ومالك ، وأولادك ؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) . رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
وانظر في بيان مواصفات الزوجة الصالحة جواب السؤال رقم : (71225) .
والأمر كذلك بالنسبة لأولياء المرأة ، فليس أول من يطرق بابهم ليخطب ابنتهم يزوجونه إياها ، بل يسألون عن دينه ، ويتحرون عن خُلُقه ، ولو كان قدراً مجرّداً ليس لهم فيه خيار : لما كانت الوصية للأولياء بتزويج بناتهم بأصحاب الخلق والدِّين ، فتنبه لهذا .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) .
رواه الترمذي ( 1084 ) ، وابن ماجه ( 1967 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ولو كان الأمر مجرد قدَر : لما شُرع الطلاق ، بل لأصبحت الزوجة قدر زوجها ، والزوج قدر زوجته ، يلتقيان ، ولا يفترقان حتى الموت ! وهذا ليس شرع الله تعالى ، بل قد شرع ربنا تعالى للزوج الطلاق ، واستحبه له أحياناً ، وأوجبه أحياناً أخرى ، بل إن الزوج ليكون " ديوثاً " لو أنه أبقى امرأته عنده وهي تصاحب الرجال الأجانب ، وقد شرع الله تعالى للمرأة " الخلع " ، فلها أن تخالع زوجها إن رأت عدم استقامته على شرع الله تعالى ، أو أنه لا يؤدي حقوقها ، وهو يرفض تطليقها ، فأي وجه للاحتجاج بالقدر في الحياة الزوجية وفيه مثل هذه التشريعات ؟! .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 1804 ) ففيه الرد على مسألة " هل شريكة الحياة اختيار من العبد أو قضاء من الله ؟ " .
وقد بينَّا في جواب السؤال رقم ( 49004 ) مراتب القدَر ، وأدلتها بالتفصيل ، فانظره .
رابعاً:
وأخيراً:
1. تب إلى الله تعالى مما فعلتَ من تركك للصلاة .
2. لا تعد لمثل ذلك الفعل .
3. لا تنسب للقدر عجزك ، وسوء تصرفك ، بل انسب ذلك لنفسك التي اختارت ذلك .
4. عظ زوجتك بالتي هي أحسن أن تتقي الله تعالى ربَّها ، وأن تؤدي الواجبات الزوجية المنوطة بها ، وأن تكف عن الإساءة إليك بالقول والفعل .
5. وسِّط العقلاء من أهلها لنصحها ، وتوجيهها .
6. إن لم ينفع ذلك معها : فلا تتردد في تطليقها .
7. اسأل ربَّك تعالى أن يبدلك خيراً منها ، واستعن به عز وجل على تحقيق ذلك ، وابذل من أسباب البحث عن ذات الدِّين ما تحمِّل نفسك مسئولية ذلك الاختيار .
8. حافظ على صلاة الاستخارة قبل البت في اختيار الزوجة .
وتجد تفصيل صلاة الاستخارة في جوابي السؤاليْن ( 2217 ) و ( 11981 ) .
والله أعلم