الحمد لله.
أولاً : مما لا شك فيه أن ما يقوم به والدك خطأ كبير، لأن التلاعب بعداد الكهرباء والتحايل على دفع الفواتير المستحقة من الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل .
وكون المال " مالاً عاماً" ليس مبرراً لأن يأخذ منه الإنسان بغير حق ، بل الاختلاس من المال العام أشد إثماً ؛ لأنه يتعلق بحق جميع المسلمين .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الأخذ من المال العام بغير حق ، فقال : ( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه البخاري (3118) .
قال الحافظ ابن حجر : " ( يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) أَيْ يَتَصَرَّفُونَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَاطِلِ" انتهى من " فتح الباري " (6/219) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : " كل من يتصرف تصرفاً غير شرعي في المال - سواء ماله أو مال غيره - فإن له النار والعياذ بالله يوم القيامة ، إلا أن يتوب، فيرد المظالم إلى أهلها " انتهى "شرح رياض الصالحين" حديث رقم (221).
وقد سبق الكلام عن حرمة ذلك ، ينظر جواب السؤال : ( 70274 ) ، ( 72384 ).
والواجب عليكم الاستمرار في نصحه ووعظه وتخويفه بالله حتى يقلع عن هذا الأمر.
ثانياً :
بما أن الكهرباء بمثابة الروح لهذه الأجهزة فلا يمكن أن تعمل دونها ؛ فإن الانتفاع بهذه الأجهزة بعد تشغيلها هو في حقيقته استهلاك لهذه الكهرباء المسروقة .
وعليه :
1- إذا كانت الكهرباء مسروقةً بشكل كامل ، أو أمكن تمييز المسروق منها عن غيره ، بأن كانت الكهرباء المسروقة تغطي غُرفاً معينة فقط : ففي هذه الحال لا يحل لكم الانتفاع بالمسروق ؛ لأن المال المختلس لا يجوز الانتفاع به لمن علم بحقيقة حاله .
والواجب عليكم السعي في إصلاح الوضع ، ورد العداد لوضعه الطبيعي ، ولو بغير رضا أبيكم ، فهذا من التعاون على البر والتقوى.
وإذا وجدت الحاجة لمن هم تحت نفقة الأب إلى استخدام الأجهزة الكهربائية ؛ لعدم قدرتهم على الاستقلال ، فيرخص لهم في الانتفاع بقدر الحاجة دون توسع ؛ نظراً لكون أغلب ملكية شركات الكهرباء تعود للمال العام الذي يكون للمحتاج حقٌ فيه .
2- أما إذا كان اختلاس الكهرباء غير متميز - نتيجة تبطيء العداد مثلاً - : ففي هذه الحال يكون التحريم قاصراً على الأب الذي تلاعب بعداد الكهرباء .
وأما باقي أفراد الأسرة فلا حرج عليهم من الانتفاع بها ؛ نظراً لاختلاط المحرم لكسبه بالحلال ، مع عدم القدرة على التمييز بينهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وَالْحَرَامُ إذَا اخْتَلَطَ بِالْحَلَالِ فَهَذَا نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ ، كَالْمَيْتَةِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَهَذَا إذَا اشْتَبَهَ بِمَا لَا يُحْصَرُ : لَمْ يَحْرُمْ ، مِثْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ أُخْتًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا أَوْ فِيهَا مَنْ يَبِيعُ مَيْتَةً لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا ، فَهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّسَاءُ وَلَا اللَّحْمُ
وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةِ أَوْ الْمُذَكَّى بِالْمَيِّتِ : حُرِّمَا جَمِيعًا .
وَالثَّانِي : مَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ أُخِذَ غَصْبًا ، وَالْمَقْبُوضُ بِعُقُودٍ مُحَرَّمَةٍ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ : فَهَذَا إذَا اشْتَبَهَ وَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ : لَمْ يَحْرُمْ الْجَمِيعُ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 276).
وللاستزادة ينظر السؤال ( 215 ) ، ( 20002 ) ، ( 21701 ).
والله أعلم