الحمد لله.
لا حرج من إعلان إقامة الصلاة في مكبر الصوت ، وقد جاء في السنة وبعض الآثار ما يُستفاد منه جواز ذلك .
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ) رواه البخاري (636) ومسلم (602) .
فهذا الحديث يدل على أن الإقامة كانت تسمع من خارج المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- وروى أبو داود (510) والنسائي (668) عَنْ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : (كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثْنَى مَثْنَى ، وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً ، إِلَّا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ ، فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) وصححه الألباني في صحيح النسائي ، وهو دليل على سماع الإقامة من خارج المسجد .
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي : "قوله : (فَإِذَا سَمِعْنَا قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ) لعل مراده أن بعضهم كان أحياناً يؤخرون الخروج إلى الإقامة اعتماداً على تطويل قراءته صلى الله عليه وسلم" انتهى .
3- روى مالك في الموطأ (158) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ) ، فهذا يدل على ما دل عليه الأحاديث السابقة أنهم كانوا يسمعون الإقامة وهم خارج المسجد .
والمسجد النبوي قد تمت توسعته عدم مرات ، وأضيفت إليه الساحات حوله ، وقد قيل : كان بين المسجد النبوي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والبقيع نحو 500 متراً تقريباً ، وهي مسافة ليست بالقصيرة .
وقد ذكر بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن إقامة الصلاة إعلان بالقيام إلى الصلاة للحاضرين في المسجد ولمن هم خارج المسجد أيضاً .
فقال رحمه الله كما في "شرح العمدة" :
"والسنة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد ، فإذا أذن في مكان استحب أن يقيم فيه ، لا في الموضع الذي يصلي فيه ، لما احتج به الإمام أحمد رحمه الله عن بلال رضي الله عنه أنه قال : (يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين) رواه أحمد و أبو داود , وقاله إسحق بن راهويه .
وكذلك أبو هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأئمتهم ، ولو كانت الإقامة موضع الصلاة لم يخشوا إن يسبقوا بآمين ، فعلم أن الإقامة كانت حيث يسمعها الغائبون عن المسجد ، إما موضع الأذان أو قريبا منه ....
ولأن الإقامة أحد الندائين فاستحب إسماعها للغائبين كالأذان .
ولأن المقصود بها الإعلام بفعل الصلاة لمنتظرها في المسجد وغيره .
فإن شقت الإقامة قريبا من موضع الأذان بأن يكون الأذان في المنارة أو في موضع بعيد من المسجد فإنه يقيم في غيره بحيث يعلم الغائبين أيضا" انتهى .
ومثله أيضا ذكره ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/249) .
حديث : (لا تسبقني بآمين) الذي ذكره شيخ الإسلام ، ضعفه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/23) ، والنووي في "الخلاصة" (1/382) ، وابن رجب في "فتح الباري" (4/489) ، والألباني في "ضعيف أبي داود" .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"ثم إنه قد شكي إلينا شيء أقل من ذلك ضررا وهو إقامة الصلاة من على المئذنة بمكبر الصوت ، فقالوا : إن أولادنا ينتظروه حتى يسمعوا الإقامة ثم يقومون ويتوضئون ويذهبون بسرعة ، ربما يفوتهم شيء من الصلاة أو كل الصلاة ، وربما يؤدون الوضوء من غير إسباغ ، شكوا ذلك من أجل القول بمنع نقل الإقامة من على المئذنة ، ولكن في نفسي من هذا شيء ، لأن سماع الإقامة من المسجد أمر وارد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا) وهذا يدل على أنه لا حرج من أن تسمع الإقامة من خارج المسجد" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" .
والله أعلم