الحمد لله.
أجمع الفقهاء على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ بداية الحمل - فلا يجوز قتله بحال ، إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم .
قال ابن جزي رحمه الله :
" وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له , وأشد من ذلك : إذا تخلق ، وأشد من ذلك : إذا نفخ فيه الروح ، فإنه قتل نفس إجماعاً " انتهى .
"القوانين الفقهية" (2/70) .
وجاء في "حاشية الدسوقي" (2/266-267) :
"لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ ، وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا " انتهى .
وقال في "نهاية المحتاج" (8/442) بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين ، قال :
" وقد يقال: أَمَّا حَالَةُ نَفْخِ الرُّوحِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى الْوَضْعِ فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ , وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ مُحْتَمِلٌ لِلتَّنْزِيهِ وَالتَّحْرِيمِ , وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ . نَعَمْ ، لَوْ كَانَتْ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ ، فَلَوْ تُرِكَتْ حَتَّى نُفِخَ فِيهَا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ" انتهى .
فعلى من فعلت ذلك أن تتوب إلى الله تعالى ، وتندم على ما فعلت ، وتعزم على عدم العودة لذلك ، وتكثر من الأعمال الصالحة لعل الله تعالى يتوب عليها .
ويجب عليها الدية والكفارة ، ودية الجنين : خمس من الإبل تكون لورثته ، ولا تأخذ منها الأم شيئاً ، فإن تنازل الورثة عنها بنفس راضية فلا حرج في ذلك .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة ، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن امرأة تعمدت إسقاط الجنين ، وقد بلغ أربعة أشهر ، فماذا تفعل وما هي كفارتها؟
فأجابوا :
"يجب على المرأة التي تعمدت قتل الجنين التوبة إلى الله عز وجل والاستغفار ، عسى الله أن يغفر لها ، وعليها الدية وهي : غرة : عبد أو أمة ، قيمتها عشر دية الأم : (خمس من الإبل) وقيمتها بالدية الحالية : خمسة آلاف ريال" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/255) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً (21/316) :
"إذا كان إسقاط الجنين المذكور بعد تمام أربعة أشهر وجب في إسقاطه غرة عبد أو أمة ، والكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تستطع فإنها تصوم شهرين متتابعين ، وتستغفر الله وتتوب إليه من هذا الذنب" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (21/316).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من شربت دواءً عمداً لإسقاط جنين فسقط لثلاثة أشهر فماذا عليها ؟
فأجاب : "ليس عليها دية ولا كفارة ، لأنه لم تنفخ فيه الروح . أما إن أتمَّ أربعة أشهر ، ففعلته عمداً ، فعليها الدية : غرة ، والكفارة : صيام شهرين متتابعين . والغرة : عبد أو أمة ، قيمة كل منهما خمس من الإبل . ومن لم يستطع الصيام ، فالصحيح أن ليس عليه إطعام لأن الله لم يذكره في الآية" انتهى .
"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" ( ص 126) مسألة ( 533 ) .
وأما الفتوى بأن ضحايا الاغتصاب لا عليهن أن يجهضن أجنتهنّ ، فإن كان ذلك قبل نفخ الروح فهو جائز ، أما بعد نفخ الروح فالقول بجوازه مخالف لإطباق أهل العلم على تحريم ذلك كما تقدم ؛ ولأنه من قبيل قتل النفس المعصومة ، والضرر الحاصل على المرأة بسبب ذلك أهون من الإقدام على قتل مؤمن بغير حق ، الذي هو كبيرة من أكبر الكبائر .
والله أعلم