الحمد لله.
إذا كانت أمك وخالتك وأخواتك البالغات قد أذن لك في التصرف في المال والمتاجرة به ، فأنت تتصرف لهم على أنك وكيل لهم ، وإذا كان في أخواتك من هي صغيرة (دون البلوغ) فأنت تتصرف في مالها بمقتضى ولايتك على مالها ، والوكيل وولي مال اليتيم إذا تصرف لمصلحة موكله ولم يتعد ولم يفرط في حفظ المال والاحتياط له ثم تلف المال أو خسره فلا يضمن شيئاً .
وإذا حصل منه تعد أو تقصير فهو ضامن لما حصل من خسارة أو تلف للمال .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
مَسْأَلَةٌ : فِيمَنْ دَفَعَ مَالَ يَتِيمٍ إلَى عَامِلٍ يَشْتَرِي بِهِ ثَمَرَةً مُضَارَبَةً وَمَعَهُ آخَرُ أَمِينًا عَلَيْهِ وَلَهُ النِّصْفُ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَخَسِرَ الْمَالُ ، وَانْفَرَدَ الْعَامِلُ بِالْعَمَلِ لِتَعَذُّرِ الْآخَرِ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ بَعْدَ تَأْبِيرِ الثَّمَرَةِ ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِفَسَادِهَا، وَأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ضَمَانَ مَا صُرِفَ مِنْ مَالِهِ .
فأجاب :
"هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي صِحَّتِهَا خِلَافٌ ، وَالْأَظْهَرُ : صِحَّتُهَا ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً ، فَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ فَرَّطَ فِيمَا فَعَلَهُ ضَمِنَ ، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ مَا ظَاهِرُهُ الْمَصْلَحَةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِجِنَايَةٍ مِنْ عَامِلِهِ .
وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ خَانَ أَوْ فَرَّطَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ... وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْيَمِينُ فِي نَفْيِ الْجِنَايَةِ وَالتَّفْرِيطِ" انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (4/186) .
وقال ابن عبد البر في "الكافي" (2/1033) :
"ولا بأس أن يتجر الوصي بمال من يلي من الأيتام ويرد فضله على يتيمه .
ولا بأس أن يقارض [المقارضة هي المضاربة] له به مأمونا من التجار ولا ضمان عليه فيما نزل به من الآفات من غير سببه . فإن قارض غير مأمون وهو يعلمه ضمن ما تلف عنده" انتهى .
ونقل ابن القاسم عن الإمام مالك أنه قال :
"وله أن يتجر بأموال اليتامى لهم ولا ضمان عليه" انتهى .
"مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" (8/570) .
وقَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : "وَأُحِبُّ أَنْ يَتَّجِرَ الْوَصِيُّ بِأَمْوَالِ مَنْ يَلِي وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ : قَدِ اتَّجَرَ عُمَرُ بِمَالِ يَتِيمٍ ، وَأَبْضَعَتْ عَائِشَةُ بِأَمْوَالِ بَنِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبَحْرِ ، وَهُمْ أَيْتَامٌ تَلِيهِمْ" انتهى .
"الحاوى الكبير" الماوردى (5/801) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ولي أمر يتيم ، ترك له والده (أموالا نقدا) ويريد وليه أن ينميها له بالتجارة فيها ، فإذا فعل واستخدمها في التجارة وخسرت - لا قدر الله- هل يضمنها الولي أم لا ؟
فأجابوا :
"إذا نمى الولي مال اليتيم بقصد الإصلاح وكان خبيرا بأمور التجارة ، ولم يتعد ـ فلا ضمان عليه فيما خسرت التجارة ، ولا ينبغي له أن يترك مال اليتيم بدون تنمية تأكله الصدقة" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/231-232) .
وسئل الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي :
إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر دون تفريط منه فهل يضمن ؟
فأجاب :
"إذا تاجر ولي اليتيم في ماله وخسر فإنه لا يضمن إذا كانت التجارة بالمعروف ولم تكن هناك مخاطرة ، أما إذا خاطر بالمال وغرر به فإنه يضمن ؛ لأنه تعاطى سبب الضرر، وأما إذا كان الحال كما ذكر في السؤال من أنه لم يفرط فحينئذٍ لا ضمان عليه" انتهى .
"شرح زاد المستقنع" (193/ 18) .
وإذا حصل نزاع بينك وبين أصحاب الأموال هل حصل منك تعدٍّ أو تفريط أم لا؟
فالمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والأمانة فيُحكى لهم ما فعلت ، ثم يحكمون هل هذا التصرف يعتبر تعدياً أو تقصيراً أم لا .
والله أعلم