الحمد لله.
تحديد الصلاة الوسطى الواردة في قوله تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) البقرة/238 ، من المسائل الخلافية المشهورة بين العلماء ، والتي تنوعت فيها الأقوال إلى نحو عشرين قولا – كما عدها الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (8/197) - ، وألف فيها الحافظ عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله كتابا بعنوان " كشف المُغَطَّى في تبيين الصلاة الوسطى " وأقوى هذه الأقوال قولان :
القول الأول : أنها صلاة الصبح .
"وهو قول أبي أمامة ، وأنس ، وجابر ، وأبي العالية ، وعبيد بن عمير ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، وغيرهم ، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس .
وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في "الأم" " انتهى من " فتح الباري " (8/196) باختصار.
القول الثاني : أنها صلاة العصر .
وهذا قول أكثر أهل العلم ، وهو القول الصحيح المعتمد ، لدلالة السنة الصحيحة عليه .
"وهو قول علي بن أبي طالب ، فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش قال :
قلنا لعبيدة : سل عليا عن الصلاة الوسطى . فسأله فقال : كنا نرى أنها الصبح ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب : (شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى ، صَلَاةِ الْعَصْرِ).
وهذه الرواية نص في أن كونها العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن شبهة من قال إنها الصبح قوية ، لكن كونها العصر هو المعتمد .
وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة ، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة ، وقول أحمد ، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه .
قال الترمذي : هو قول أكثر علماء الصحابة .
وقال الماوردي : هو قول جمهور التابعين .
وقال ابن عبد البر : هو قول أكثر أهل الأثر .
وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية" انتهى من " فتح الباري " (8/196) .
وقال النووي رحمه الله :
"الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر ، وهو المختار" انتهى.
" المجموع " (3/61).
وقد ذكر الحافظ الدمياطي بعض الخصائص والفضائل التي اختصت بها صلاة العصر :
"فمنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلظ المصيبة في فوتها بذهاب الأهل والمال في قوله صلى الله عليه وسلم : (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهل وماله) .
ومنها : حبوط عمل تاركها .
ومنها : أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم .
ومنها : أنها أول صلاة شرعت فيها صلاة الخوف .
ومنها : أنها أول صلاة توجه فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة .
ومنها : قوله صلى الله عليه وسلم : (ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله .. الحديث) . وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد بعد صلاة العصر .
ومنها : أن سليمان عليه الصلاة والسلام أتلف مالاً عظيماً من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس .
ومنها : ما جاء في قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) .
ومنها : أنها وسطى في الوجوب ، لأن أول الصلوات وجوبا كانت الفجر ، وآخرها العشاء ، فكانت العصر هي الوسطى في الوجوب" انتهى .
" كشف المغطى " (ص/126-132) .
أما السؤال عن بداية اليوم ، هل هو الليل أم النهار؟
فالجواب : أن الليل يسبق النهار ، فإذا غربت الشمس فقد دخلت ليلة اليوم التالي ، ولهذا إذا رؤي هلال رمضان صلى الناس التراويح لأن هذه الليلة من رمضان ، وإذا رأوا هلال العيد لم يصلوا التراويح لأنها من شوال .
غير أن ذلك لا يستلزم ترجيح القول بأن صلاة الفجر هي الصلاة الوسطى ، لأن المراد بـ "الوسطى" الفضلى ، مؤنث "أفضل" وليس المراد : المتوسطة بين شيئين .
انظر : "التحرير والتنوير" (15/253) ، "تفسير سورة البقرة" لابن عثيمين (2/178) .
والله أعلم .