الحمد لله.
أولا :
قد وردت السنة بالترغيب في المكث في المسجد عقيب الصلوات المكتوبات ، والانشغال بذكر الله ؛ فروى البخاري (659) ومسلم (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ ، تقول : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ . لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ ) .
ويتأكد ذلك بعد صلاتي الفجر والعصر ؛ للانشغال بأذكار الصباح والمساء .
فروى أبو داود (3667) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً )
حسنه الألباني في "الصحيحة" (2916) .
ثانيا :
السنة في حق من جلس في المسجد لذكر الله ، أو تلاوة القرآن ، أو الصلاة : أن يخفض صوته بذلك كله ، ما دام هناك غيره ؛ لئلا يصل صوته إلى الآخرين فيشوش عليهم أمرهم ، ويلبس عليهم عبادتهم . وكما أن ذلك هو الذي مضت به السنة ، فهو أجمع للقلب على الله ، , وأدنى إلى الإخلاص ، إن شاء الله .
روى الإمام أحمد رحمه الله (18543) عَنِ فروة بن عمرو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ : ( إِنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ ) .
ورواه ابن الجعد في "مسنده" (1575) وزاد : ( فتؤذوا المؤمنين ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1597)
قال علماء اللجنة الدائمة :
" ذكر الله جماعة بصوت واحد على طريقة الصوفية بدعة ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 / 138) .
ثالثا :
إذا أمكنك الجلوس في مصلاك ، بعيدا عن التشويش ، لتقرأ أذكارك وأورادك في نفسك : فهو طيب ؛ فتكون حصلت الخير الذي قصدته ، وتركت ما هم عليه من بدعتهم ، من غير أذى ولا ضرر .
اللهم إلا أن يكون في جلوسك منفردا عنهم : إيغار للصدور ، وفتح لباب العداوات والشحناء ، وربما تطور إلى مفاسد أخرى : فهنا يكون خروجك من المسجد ، وقراءتك لأذكارك في بيتك أفضل .
وهكذا الحال : إذا كان صوتهم مرتفعا ، بحيث لو جلست شوشوا عليك أمرك ، فلا تجلس معهم ، وأكمل أذكارك في بيتك .
لكن إن أمكنك أن تنصح لهم بالحسنى ، وغلب على ظنك أنهم سيستمعون لك من غير مفسدة ولا تحريك عداوة : فالواجب عليك ألا تعتزلهم حتى تنصح لهم ، حتى ولو لم يتركوا ما هم فيه ؛ فتكون أنت قد فعلت الواجب عليك .
وإن وجدت مسجدا آخر ، أقرب إلى السنة ، وأبعد من البدعة ، فاجعل صلاتك وجلوسك للذكر فيه ، فهو أنفع لك ، وأسلم لقلبك ، بعد أن تكون قد نصحت لهم بما عندك ، كما سبق .
والله أعلم .
راجع إجابة السؤال رقم : (10491)