الحمد لله.
أولاً :
إن كان المقصود أن أخاك يأتيه من يدفع له الرشوة لتسهيل بعض الأمور ، فيقبلها ثم يعطيها للفقراء ، فقبوله للرشوة عمل محرم ؛ لعموم الأدلة في تحريم الرشوة ، ولما في ذلك من السكوت على المنكر وإقراره وإشاعته بين الناس ، فإن الراشي يظن أن حاجته قد قضيت بالرشوة .
والواجب : رفض الرشوة وردها على صاحبها ، والإنكار عليه ، وبيان حرمتها ، لا التظاهر بقبولها وأخذها .
وقد روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621).
وإعطاء الرشوة للفقراء لا يبيح أخذها ، وليس للإنسان أن يتعامل بالحرام ليتصدق أو يحسن ، ويكفي لقبح هذا العمل أنه يقال : فلان يقبل الرشوة ، ويقضي المصالح لأجلها .
وإن كان المقصود أن بعض الموظفين يأخذ الرشوة ثم يعطي جزءا منها لأخيك دون طلب منه ، فيأخذها ويعطيها الفقراء ، فهذا محرم كذلك ؛ لما فيه من السكوت على الرشوة وإقرارها وقبولها في الظاهر ، وقد يكون مراد الدافع لها هو هذا السكوت والمشاركة .
لكن إن جاء الموظف الذي قبل الرشوة وأراد التوبة والتخلص من المال الحرام فأعطاه لأخيك ليتخلص منه ، فلا حرج في ذلك ؛ لأنه إعانة على الطاعة .
ثانياً :
إذا تاب المرتشي وتخلص من المال الحرام ، وأعطاه للفقراء والمساكين ونحوهم ، فلا حرج عليهم في أخذه وهو حلال لهم ؛ لأنهم أخذوه بوجه مشروع .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (9/428) : " قال الغزالي : إذا كان معه مال
حرام وأراد التوبة والبراءة منه : فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله
, فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالكٍ لا يعرفه ، ويئس من معرفته ،
فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والمساجد , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء ....
وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير , بل يكون حلالا طيبا , وله أن
يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا , لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود
فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير .
وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه ,
ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف ، وعن أحمد بن حنبل
والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في
البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى .
والله أعلم .