الحمد لله.
لا حرج عليك في إنهاء عقدك للأسباب المذكورة ، ولا يدخل هذا في عدم الصبر على لأواء المدينة ، أي : حرها وجهدها ، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1363) عن سَعْدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا ، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا ، وَقَالَ : الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
وروى مسلم (1374) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلى أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يستشيره فِي الْجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا ، فَقَالَ لَهُ : وَيْحَكَ ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " قَالَ أَهْل اللُّغَة : ( اللَّأْوَاء ) بِالْمَدِّ : الشِّدَّة وَالْجُوع , وَأَمَّا الْجَهْد : فَهُوَ الْمَشَقَّة " انتهى .
وأنت إن تركت المدينة فإنك لا تتركها جزعا من الشدة والمشقة الحاصلة فيها ، بل برا بوالدتك ، وإعفافا لنفسك ، فإن استطعت أن تجمع بين الأمرين ، وتأتي بزوجتك ، وتصل والدتك على فترات متقاربة ، لتنال بذلك فضل المقام بالمدينة ، والدخول في هذا الوعد العظيم بنيل شفاعته صلى الله عليه وسلم ، فلا شك أن هذا هو الأولى والأكمل .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .