الحمد لله.
أولا :
من زنى بأم زوجته – عياذا بالله من ذلك – فقد أتى منكرا عظيما ، يلزمه منه التوبة والندم والاستغفار ، مع الإكثار من الأعمال الصالحة ، رجاء أن يتوب الله عليه ، كما قال سبحانه : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82، وهل تحرم عليه زوجته بذلك أم لا ؟ فيه خلاف بين الفقهاء.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه تحرم عليه زوجته بسبب زناه بأمها ، وجعلوا هذا الوطء المحرَّم كالوطء الحلال في تحريم المصاهرة ، فإن الرجل لو نكح امرأة ودخل بها حرمت عليه بنتها إجماعا ؛ لقوله تعالى في المحرَّمات من النساء : ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) النساء/23.
وذهب المالكية والشافعية : إلى أنه لا تحرم عليه زوجته بسبب وطئه لأمها بالزنا ؛ لأن الحرام لا يحرِّم الحلال .
قال ابن قدامة رحمه الله : "ولو وطئ أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نص أحمد على هذا في رواية جماعةٍ ، وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين ، وبه قال الحسن وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي .
وروى ابن عباس أن الوطء الحرام لا يحرِّم ، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وعروة والزهري ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر" انتهى من "المغني" (7/90).
والقول الثاني ، الذي ذهب إليه المالكية والشافعية ، قد رجحه جماعة من أهل التحقيق ، منهم العلامة محمد الأمين الشنقيطي ، قال رحمه الله : " الخلاف في هذه المسألة مشهور معروف ، وأرجح القولين دليلا فيما يظهر أن الزنى لا يحرُم به حلال " انتهى من "أضواء البيان" (6/341) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "لو زنى رجل بامرأة فهل يحرم عليها أصله وفرعه ، وهل يحرم عليه أصلها وفرعها ؟
الجواب : لا يحرم ، لأنه لا يدخل في الآية ، قال تعالى : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ ) قال ( مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ) والزانية لا تدخل في هذا ... ومع هذا فمذهب الحنابلة أن الزنى كالنكاح ، فإذا زنى بامرأة حرم عليه أصولها وفروعها ، وحرم عليها أصوله وفروعه تحريما مؤبدا ، بل من غرائب العلم أن يجعل السفاح كالنكاح ، بل من أغرب ما يكون ، وهو من أضعف الأقوال ... والصواب أنه لا أثر في تحريم المصاهرة لغير عقد صحيح ؛ وذلك لأن العقود إذا أطلقت في الشرع حملت على الصحيح ، فالصواب في هذه المسألة أن كل ما كان طريقه محرما فإنه لا أثر له في التحريم والمصاهرة " انتهى من "الشرح الممتع" (5/203) .
وبناء على هذا ؛ فإن زوجتك لا تحرم عليك ، وينبغي أن تحسن إليها ، وتهتم بها ، وتبتعد عن كل ما يقربك من الحرام ويدعوك إليه .
ثانيا :
يباح للرجل أن يتزوج بثانية وثالثة ، وأن يجمع بين أربع نسوة ، إذا كان قادرا على ذلك ماديا وبدنيا ، ورجى من نفسه العدل وعدم الظلم . هذا من حيث الأصل ، ثم ينظر كل زوج فيما يترتب على زواجه الثاني من مصالح ومفاسد ، فإن غلبت المفسدة ، كضياع الأولاد ، وانتقالهم إلى بلد آخر ، وحرمانهم من تربيته ورعايته ، أو تضررهم بذهاب أمهم وبقائهم مع زوجة أبيهم ، مع كون الزوج لا يتضرر كثيرا بالاقتصار على زوجة واحدة ، فلا شك أنه يطالب بالكف عن الزواج الثاني ، درءا للمفسدة ، وحفاظا على أبنائه الذين سيسأل عنهم أمام الله . وهكذا ينبغي أن تنظر في المصالح والمفاسد ، وأن تقدم الغالب منها ، مع استشارة من تثق به من أهل الصلاح والدراية ممن يعرف حالك وحال أولادك .
والله أعلم .