الحمد لله.
أولاً :
جاء في الحديث عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِي رضي الله عنه قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي ، قَالَ : (فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ ، حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ - اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلاَثًا) رواه البخاري (1429) ومسلم (1832) .
قال ابن حجر رحمه الله :
"بيّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له ، وأنه لو أقام في منزله لم يُهد له شيء ، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية" انتهى .
"فتح الباري" (12/349) .
وعلى هذا ، فالفارق بين الهدية المحرمة ، والهدية الجائزة : أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته بحيث لو لم يكن في هذه الوظيفة لم يُهْدَ إليه ، فهو محرم عليه ، ويجب عليه إما رده إلى المهدي ، وإما إعطاؤه لصاحب العمل .
ثانياً :
هذه الإكرامية ، وتلك الهدية ، تدعو العامل إلى محاباة الدافع ، حتى قد يعطيه ما ليس من حقه ، أو يتهاون معه فيما فيه نفع للشركة التي يعمل بها ، وكل ذلك يعود بالضرر على صاحب العمل .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 82497 ) لمعرفة مفاسد الرشوة ، والإكرامية ، وأقوال العلماء في بيان حرمتها .
وقال النووي رحمه الله في شرح الحديث المتقدم :
"وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام ، وغلول ؛ لأنه خان في ولايته ، وأمانته ... وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه ، وأنها بسبب الولاية ، بخلاف الهدية لغير العامل ، فإنها مستحبة" انتهى .
"شرح مسلم" (12/219) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"هدايا العمال من الغلول " ، يعني : إذا كان الإنسان في وظيفة حكومية ، وأهدى إليه أحدٌ ممن له صلة بهذه المعاملة : فإنه من الغلول ، ولا يحل له أن يأخذ من هذا شيئاً ، ولو بطيب نفس منه .
مثال ذلك : لنفرض أن لك معاملة في دائرة ما ، وأَهديتَ لمدير هذه الدائرة ، أو لموظفيها ، هدية : فإنه يحرم عليهم قبولها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللُّتْبيَّة على الصدقة فلما رجع قال : "هذا أهدي إلي وهذا لكم" ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وقال : (مَا بَالُ الرَّجُل مِنْكُم نَسْتَعْمِلُهُ عَلَى العَمَلِ فَيَأْتِي وَيَقُول : هَذَا لَكُم ، وَهَذا أُهْدِيَ إِلَيَّ ، فَهَلاَّ جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُر أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟) .
فلا يحل لأحدٍ - موظف في دائرة من دوائر الحكومة - أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة ، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا : يجوز للموظف قبول هذه الهدية : لكنَّا قد فتحنا باب الرشوة الذي يرشي بها صاحب الحق من يلزمه الحق ، والرشوة خطيرة جدّاً ، وهي من كبائر الذنوب .
فالواجب على الموظفين إذا أُهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم : أن يردوا هذه الهدية ، ولا يحل لهم أن يقبلوها ، سواء جاءتهم باسم هدية ، أو باسم الصدقة ، أو باسم الزكاة ، ولا سيما إذا كانوا أغنياء ؛ فإن الزكاة لا تحل لهم ، كما هو معلوم .
"مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (18/232) .
فالواجب على الأخ السائل : أن يُرجع ما أخذه من المال مقابل السكن في تلك الدولة ، ويضعه في الشركة .
هذا ، إذا كان هذا الشخص عميلاً للشركة ، يبيع لها أو يشتري لها ، أو يتوسط لها بين البائع والمشتري ، أما إذا كان شريكاً في الشركة ، فلا حرج من قبول هديته وأخذها ، لأنه إنما يتصرف في مال الشركة التي يملكها ، أو يملك بعضاً منها .
والله سبحانه نسأله أن يوفقنا وإياكم لأكل الرزق الحلال , وأن يجنبنا الوقوع في الحرام .
والله أعلم