الحمد لله.
أولاً:
يعتقد أهل السنَّة والجماعة أنه سيخرج في آخر الزمان رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً , وأنه يوافق اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمَ أبيه اسمَ أبي النبي صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
فالمهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم اسمه " محمد بن عبد الله " ، لا محمد بن الحسن , وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : هو من ولد الحسن بن على ، لا من ولد الحسين بن علي .
وأحاديث المهدي معروفة ، رواها الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وغيرهم ، كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطيء اسمُه اسمي ، واسمَ أبيه اسمَ أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) .
" منهاج السنَّة " ( 4 / 95 ) .
وللوقوف على بعض أحاديث المهدي ، وعقيدة أهل السنة والجماعة فيه : انظر جوابي السؤالين : ( 1252 ) و ( 43840 ) .
ثانياً:
لا يستغرب أن يظهر من يدَّعي المهدية ؛ فقد ادَّعاها أشخاص كثُر على مرِّ التاريخ ، بل وينتظِر خروجَه طوائف عدة ، وكل طائفة تنسب له من الصفات ما لم يقم عليه دليل من الوحي ، ونجَّى الله تعالى أهلَ السنَّة فلم يثبتوا له إلا ما صحَّ في الشرع ، ولم يدعوه في غير شخصه ، وكذَّبوا كل من زعم المهدية ليضل الناس .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
وقد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال :
أحدها : أنه المسيح بن مريم .
القول الثاني : أنه المهدي الذي ولي من بني العباس , وقد انتهى زمانه .
القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان , وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً ، فيملؤها قسطاً وعدلاً , وأكثر الأحاديث على هذا تدل .
وفي كونه من ولد الحسن سرٌّ لطيف , وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق ، المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض , وهذه سنَّة الله في عباده : أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله ، أو أعطى ذريته ، أفضل منه ...
وأما الرافضة الإمامية : فلهم قول رابع ، وهو أن المهدي هو : محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا , ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنَة ، فلم تره بعد ذلك عينٌ , ولم يحسَّ فيه بخبر , ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم ! يقفون بالخيل على باب السرداب , ويصيحون به أن يخرج إليهم : " اخرج يا مولانا " ، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ، ودأبه .
أما مهدي المغاربة " محمد بن تومرت " : فإنه رجل كذَّاب ، ظالم ، متغلب بالباطل ، ملَكَ بالظلم ، والتغلب ، والتحيل ، فقتل النفوس , وأباح حريم المسلمين ، وسبى ذراريهم ، وأخذ أموالهم , وكان شرّاً على الملَّة من الحَجَّاج بن يوسف ، بكثير ...
ثم خرج المهدي الملحد " عبيد الله بن ميمون القدَّاح " ، وكان جدُّه يهوديّاً من بيت مجوسي ، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت , وادَّعى أنه المهدي الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وملَكَ , وتغلَّب ، واستفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله ، على بلاد المغرب ، ومصر ، والحجاز ، والشام , واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم , وكانوا يدَّعون الإلهية , ويدعون أن للشريعة باطناً يخالف ظاهرها .
وهم ملوك القرامطة الباطنية ، أعداء الدين ، فتستروا بالرفض والانتساب - كذباً - إلى أهل البيت ، ودانوا بدين أهل الإلحاد , وروَّجوه , ولم يزل أمرُهم ظاهراً إلى أن أنقذ الله الأمة منهم ، ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب ، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم ، وأبادهم , وعادت مصر دار إسلام بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم .
والمقصود : أن هؤلاء لهم مهدي ، وأتباع ابن تومرت لهم مهدي , والرافضة الاثنا عشرية لهم مهدي ، فكل هذه الفرق تدعي في مهديِّها الظلوم ، الغشوم ، والمستحيل المعدوم : أنه الإمام المعصوم , والمهدي المعلوم الذي بشَّر به النبي صلى الله عليه وسلم , وأخبر بخروجه , وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان فتعلو به كلمتهم , ويقوم به دينهم , ويُنصرون به على جميع الأمم .
والنصارى تنتظر المسيح يأتي قبل يوم القيامة ، فيقيم دين النصرانية, ويبطل سائر الأديان ... فالملل الثلاث تنتظر إماماً قائماً يقوم في آخر الزمان , وينتظر اليهودُ الدجالَ الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً , وفي المسند مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء ) .
" المنار المنيف في الصحيح والضعيف " ( ص 148 – 155 ) باختصار.
ثالثا :
كل طائفة من أولئك تدَّعي أن المهدي معها ، فمَن هو المحق ؟ وأي طائفة هي الصواب ؟ ولا نزال نسمع بين الحين والآخر أنه خرج في الجماعة الفلانية ، أو في البلد الفلاني : المهدي , فما هو الضابط في معرفة صدق الادعاءات من كذبها ؟
والجواب : أنه يمكن أن نلخص أهم النقاط التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن المهدي كالآتي :
أ. أنه مِن ولد فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومِن ذرية الحسن بن علي رضي الله عنه ، واسمه محمد بن عبد الله .
ب. أنه يخرج في آخر الزمان ، مصاحباً لنزول عيسى عليه السلام ، ومقتل الدجال .
ت. أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملأت جوراً وظلماً .
ث. يمكث سبعاً ، أو ثمانياً من السنين ؛ وتكثر الخيرات في زمنه .
ج. ينصر الله به الإسلامَ ، والمسلمين ، وتكون العزة في الأرض لأهل الإسلام .
ح. وَصَفَه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أَجْلَى الْجَبْهَةِ ( انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة ) ، أَقْنَى الأَنْفِ ( أي : أنفه طويل رقيق في وسطه حدب ) .
خ . يعتصم بالبيت الحرام ، ويغزوه جيشٌ يُخسف به بين مكة والمدينة .
د. وهو لا يدَّعي المهدية لنفسه , وإنما الناس يبايعونه لدلائل يرونها فيه .
ذ. يصلي خلفه عيسى عليه السلام .
فلمعرفة هذا الشخص : لا بد أن ننظر إلى تحقق هذه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، فإن تحققت به : فهو من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فهو كاذب في سلسلة الكذابين .
رابعا :
لا شك أن شأن ذلك الدعي الهندي المذكور هو شأن غيره من الكذابين الدجالين ، فقد توفي ولم يحقق شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ! ولا انطبقت عليه شيء من الأوصاف التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه يتعلقون بالوهم والأماني ، يعِدُهم الشيطان ، ويمنِّيهم ، قال تعالى : ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ) النساء/ 120 .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
أما إنكار المهدي المنتظر بالكلية - كما زعم ذلك بعض المتأخرين - : فهو قول باطل ; لأن أحاديث خروجه في آخر الزمان ، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً : قد تواترت تواتراً معنويّاً ، وكثرت جدّاً ، واستفاضت ، كما صرح بذلك جماعة من العلماء , منهم : أبو الحسن الآبري السجستاني من علماء القرن الرابع , والعلامة السفاريني ، والعلامة الشوكاني ، وغيرهم , وهو كالإجماع من أهل العلم ، ولكن لا يجوز الجزم بأن فلاناً هو المهدي إلا بعد توافر العلامات التي بيَّنها النبي في الأحاديث الصحيحة الثابتة , وأعظمها وأوضحها : كونه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلما ، كما سبق بيان ذلك .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 168 ) .
رابعاًً:
مما يدل على كذب هذا الشخص ، وأنه دعي دجال : تلك المعتقدات التي يعتقد بها أصحابه ، كما ورد في السؤال :
1. اعتقادهم أن من ينكر إمامهم المزعوم المهدي : يكون كافراً .
وهذا من أدلة ضلال هذه الجماعة ؛ فلا يجوز تكفير المسلم إلا بشروط وضوابط .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 85102 ) .
2. اعتقادهم أن الإسلام قد اكتمل بالإمام المهدي .
وهذا من الكذب على الشرع ؛ لأن الله تعالى قد بيَّن في كتابه أنه أتمَّ الدين ، وأكمل النعمة ، ولم يبق الناس في حاجة من أمر دينهم بعد تمام نزول الوحي ، وبعثة الرسول إلى شيء غيره ، قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ) المائدة/ 3 .
3. اعتقادهم أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وأنها في السابع والعشرين من رمضان .
وهذا - أيضاً - من الكذب ، فقد ذكر الله تعالى ليلة القدر قبل خلق ذلك الدجال بقرون ، وأخبرنا بما فيها من فضل تعظيماً لليوم الذي ابتدأ الله به إنزال القرآن ؛ وكذلك لزيادة وتكثير أجور هذه الأمة ، بأن جعل عبادة تلك الليلة تعدل عبادة ألف شهر , وهي ليلة التقدير للسنة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
يقول تعالى مبيِّنًا لفضل القرآن وعلو قدره : ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) كما قال تعالى : ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وذلك أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة ، لا يقدر العباد لها شكراً .
وسمِّيت " ليلة القدر " لعظَم قدَرِها ، وفضلها ، عند الله ، ولأنه يُقدَّر فيها ما يكون في العام من الأجل ، والأرزاق ، والمقادير القدرية .
ثم فخَّم شأنها ، وعظَّم مقدارها فقال : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) أي : فإن شأنها جليل ، وخطرها عظيم .
( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) أي : تعادل في فضلها ألف شهر ، فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها ، وهذا مما تتحير فيه الألباب ، وتندهش له العقول ، حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى ، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر ، عمر رجل معمَّرٍ عمراً طويلاً نيِّفًا وثمانين سنة .
( تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) أي : يكثر نزولهم فيها ( مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ ) أي : سالمة من كل آفة وشرٍّ ، وذلك لكثرة خيرها ، ( حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) أي : مبتداها من غروب الشمس ، ومنتهاها طلوع الفجر .
وقد تواترت الأحاديث في فضلها ، وأنها في رمضان ، وفي العشر الأواخر منه ، خصوصاً في أوتاره ، وهي باقية في كل سنَة إلى قيام الساعة .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف ، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان ، رجاء ليلة القدر .
" تفسير السعدي " ( ص 931 ) .
أما أنه تعالى شرع ليلة القدر للمهدي المزعوم – أو حتى الحقيقي - : فهو من الكذب الصريح ، ولو كان حقّاً أنها شرعت لأحدٍ : لكان شرعت لمن هو أولى منه ، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن فيها , ولكان تعالى أخبر بذلك ، ولكن ما أرخص الكذب عند من لم يستنر قلبه بالهداية .
أما تحديد ليلة القدر بليلة السابع والعشرين : فهو قول مرجوح , والصواب أنها ليلة متنقلة في ليالي العشر الأخيرة , وانظر جواب السؤال رقم : ( 50693 ) .
4. اعتقادهم أن حروف القرآن مثل أ ل م ( الم ) ، أ ل ر ( الر ) ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلي الله عليه وسلم : قد عرفها مهديهم ! وأخبر بها أصحابه .
وهذا – أيضاً - من الكذب ؛ فقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء ، كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 21811 ) .
وأرجح الأقوال في تفسيرها ما ذكره ابن كثير رحمه الله - وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في قوله :
وقال آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها ؛ بيانًا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف : فلا بد أن يُذكر فيها الانتصار للقرآن ، وبيان إعجازه ، وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء ، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ، ولهذا يقول تعالى : ( الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) البقرة/ 1 ، 2 ، ( الم . اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) آل عمران/ 1 – 3 ، ( المص . كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ) الأعراف/ 1 ، 2 .
... .
وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم .
" تفسير القرآن العظيم " ( 1 / 160 ) .
5. اعتقادهم في رؤية الله .
فإن قصدوا بذلك الرؤية يقظة في دار الدنيا : فهو كذب ، وافتراء , ويرده الأحاديث الصحيحة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو لم يره ، مع أنه كان في السماء .
وانظر جوابي السؤالين : ( 43176 ) و ( 14096 ) .
6. اعتقاد بعض أتباع المهدي المزعوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان .
وهذا أيضا من الكذب ، بل هو أبطل الباطل ؛ فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد بني آدم ؛ وقد خصه الله بالفضائل والمزايا التي لم يصل إليها الأنبياء ؛ فهو صاحب المقام المحمود ، والشفاعة العظمى .
وانظر جواب السؤال رقم ( 97384 ) للوقوف على أقوال العلماء في أفضليته على الخلق .
وهذا الدعي لا يصل إلى مرتبة صالحي آخر هذه الأمة ؛ فكيف بمتقدميها ، فكيف بالصحابة ، وكيف بالأنبياء ، وكيف بأولي العزم من الرسل ؟! بل إن هذا القول قد يصل به وبأصحابه إلى الكفر ، والردة ، والعياذ بالله .
7. وأما تأثر الفرقة بالتصوف ، كالاختلاء وغيره :
فهذا هو الأليق بهذه الجماعة ، فمثل هذه الترهات ، والضلالات ، تليق بمن تأثر بضلالات الصوفية ومن أشبههم .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 118693 ) للوقوف على موقف المسلم من الصوفية .
8. وأما تكذيبهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر لصفات المهدي المتقدمة : فهو يدل على ضلال هذه الجماعة ، وبُعدها عن الحق ، ويصدق عليهم ما قاله الله تعالى عن حال أهل الكتاب : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/ من الآية 85 .
وكما قال الإمام أحمد رحمه الله : من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو على شفا هلكة .
" طبقات الحنابلة " لأبي يعلى ( 2 / 14 ) .
خامساً ً:
أما الحديث الذي يستدلون به وهو ( كيف تهلك أمةٌ أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها ) : فهذا الحديث جاء من طرق عن عدة من الصحابة :
أ. من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 47 / 522 ) وقد حكم عليه العلامة الألباني بالنكارة ، كما في " السلسلة الضعيفة " ( 2349 ) .
قال رحمه الله :
والحديث منكر عندي ؛ لأن ظاهره أن بيْن المهدي وعيسى سنين كثيرة ، مع أنه صح في غير ما حديث أنهما يلتقيان في دمشق ، ويأتم عيسى بالمهدي عليهما السلام ، فكيف يقال : إن المهدي في وسطها وعيسى في آخرها ؟! .
ب. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها ) .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 47 / 521 ) .
وفي إسناده كذاب ، كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " ( 2349 ) .
ج. ومنها :
قال ابن حجر – رحمه الله - :
رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة - ( 8 / 548 ) - مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر ـ أَحَد التَّابِعِينَ ـ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْر - ثَلَاثًا - وَلَنْ يُخْزِي اللَّه أُمَّة أَنَا أَوَّلهَا وَالْمَسِيح آخِرهَا ) .
" فتح الباري " ( 7 / 6 ) .
وأراد ابن حجر رحمه الله أن إسناده حسن إلى التابعي ، غير أن رواية التابعي له مرسلة ، والمرسل من أقسام الضعيف .
وأخرجه أيضا الحاكم في " مستدركه " ( 3 / 43 ) وقال الذهبي: مرسل منكر .
فتبين أن الحديث بذكر المهدي لا يصح إسناده ، وهو منكر من حيث المعنى .
ولو افترضنا صحة المرسل ، فإنه لم يذكر فيه المهدي ، وعلى ذلك : لا يتم مقصود تلك الطائفة بالاستدلال بهذا الحديث .
والخلاصة : أن هذه الطائفة من الطوائف المنحرفة التي يجب الحذر والتحذير منها .
وأن مهديهم المزعوم لم تتوفر فيه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه أنها من صفاته , وعليه : فاعتقاد أنه المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه خطأ وضلال , وأن هذه العقائد التي تعتقدها طائفته به : لا شك في مخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة ، والواجب على المسلم أن يحذر من الانتساب إليها , أو مساندتها ، بل وعليه أن يحذر المسلمين منها , ومن ضلالها ، وأخطائها .
والله أعلم