حججت منذ 3 أعوام وبعد أداء طواف الوداع والعودة إلى منزلي في جدة وجدت آثار نجاسة في ثوبي (براز) ، ولا أدري إن كانت هذه الآثار كانت في ثيابي أثناء الطواف ، أم حدثت بعده ، نتيجة الجلسات غير المريحة في وسائل المواصلات ، فماذا أفعل ؟ ، علما أنني أديت عدة عمرات بعد هذا الأمر قبل أن أقرب زوجتي ، ثم مارست حياتي الطبيعية .
الحمد لله.
أولاً :
اختلف العلماء رحمهم الله ، هل يُشترط لصحة الطواف إزالة النجاسة أم لا .
فذهب الجمهور إلى اشترط ذلك ، وذهب الأحناف إلى عدم شرطيته.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/23) : " ذكرنا أن مذهبنا اشتراط الطهارة عن الحدث والنجس , وبه قال مالك , وحكاه الماوردي عن جمهور العلماء ، وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث عن عامة العلماء , وانفرد أبو حنيفة فقال : الطهارة من الحدث والنجس ليست بشرط للطواف , فلو طاف وعليه نجاسة أو محدثاً أو جنباً صح طوافه.." انتهى ، وينظر "المغني " (3/186)
ثانياً :
من طاف بالبيت ثم علم بعد فراغه منه بأنه طاف متنجساً ، سواء كانت النجاسة في ثوبه أو بدنه ، فطوافه صحيح ولا شيء عليه ؛ لحديث أبي سعيد الآتي.
قال ابن قدامة رحمه الله في "الكافي" (1/510) : " وعنه " أي الإمام أحمد " : فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارته حتى رجع ، فحجه ماض ولا شيء عليه ، وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان...فكذلك يُخرَّج من طهارة النجس ؛ لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال ، فلم يشترط فيها ذلك كالسعي والوقوف " بتصرف واختصار يسير.
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح "الكافي" :
" لو فُرض أن الإنسان طاف بإزار نجس ، فإنه لا إعادة عليه ، أما إذا كان ناسياً أو جاهلاً ، فالأمر واضح ، وأما إذا كان متعمداً ، فليس هناك دليل يدل على هذا " انتهى.
وقد ذكر الفقهاء رحمه الله تفصيل هذه المسألة في كتاب الصلاة ، وذكروا أن من صلى بثوب نجس ، ولم يعلم بنجاسته حتى فرغ من صلاته ، فصلاته صحيحة ، وهكذا يقال في الطواف ، فمن طاف ثم بعد فراغه من الطواف علم بنجاسة ثيابه ، فطوافه صحيح عند جمهور العلماء.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/163):
" فرع : في مذاهب العلماء فيمن صلى بنجاسة نسيها أو جهلها ، ذكرنا أن الأصح في مذهبنا وجوب الإعادة ، وبه قال أبو قلابة وأحمد ، وقال جمهور العلماء : لا إعادة عليه , حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن المسيب وطاوس وعطاء وسالم بن عبد الله ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور قال ابن المنذر : وبه أقول , وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار " انتهى .
ويدل لهذا القول ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه قال : ( بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى وَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا ) رواه أبو داود (650) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (3/221)
ولو كانت الصلاة تبطل بالنجاسة حال كون المصلي جاهلاً بها لأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، فلما لم يعد دل ذلك أن الصلاة لا تبطل مع وجود النجاسة إذا جهل وجودها ، أو نسيها ، وهكذا يقال في الطواف .
والحاصل : أن طوافك صحيح ، سواء تنجست ثيابك أثناءه ، أو حدثت بعده .
والله أعلم