أريد أن أعرف أيها إثمها أعظم وأكبر : الزنا أو شرب الخمر ولعب الميسر ؟
الحمد لله.
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الزنا والخمر والميسر من كبائر الذنوب :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة / 90
وقال تعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) الإسراء / 32
وروى البخاري (5578) ومسلم (57) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) .
وقد جعل الله تعالى مجانبة هذه البلايا والخبائث شرطا في تكفير السيئات ورفع الدرجات ، قال الله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) النساء/31 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) رواه مسلم (233) .
ثانيا :
أعظم هذه الكبائر الثلاثة هو الزنا ؛ فإن الله تعالى قرن ذكره بعبادة الأصنام وقتل النفس ، فقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ) الفرقان / 68
ولأنه مع كونه كبيرة بالنظر إلى حق الله تعالى ، فهو اعتداء على أعز وأشرف ما يملك العبد ، وهو عرضه ، مع ما يترتب عليه من المفاسد العظام ، والشرور الجسام ، والتلطخ بأوضار العار ، وقد يستمر ذلك مد الزمان ، فتتوارثه الأجيال وراء الأجيال – عياذا بالله - .
قال المنذري رحمه الله :
" وقد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن ، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر " انتهى .
"الترغيب والترهيب" (3 / 190)
وقال السفاريني رحمه الله :
" الزِّنَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ " انتهى ملخصا .
"غذاء الألباب" (2 / 305)
ولذلك كان حد الزنا أشد من حد شرب الخمر ، وخاصة إذا كان الزاني محصنا .
وشرب الخمر أشد من الميسر ؛ فقد لعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ .
رواه الترمذي (1295) وصححه الألباني .
وهي المفضية إلى كل شر وخلق رديء ، وهي أم الخبائث .
ولكن قد يختلف الأمر ، وذلك بحسب ما يترتب عليه من الشر والفساد ، فقد يزني الرجل مرة ثم لا يعود ، وقد يشرب الرجل الخمر فيدمنها فيسوء خلقه ويكثر فحشه ويهجر بيته ولا ينفق على ولده ويدعوه حبه للخمر إلى السرقة ومصاحبة أهل الفساد ، إلى غير ذلك مما قد يقع فيه بعض هؤلاء ، فيكون حينئذ حاله أشد وذنبه أعظم ممن زنا مرة ثم ترك الزنا .
وقد روى النسائي (5666) عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ . فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ (إناء فيه خمر) فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ . قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا ، فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي . فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ . فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ "
صححه الألباني في "صحيح النسائي" .
وقال الصاوي في حاشيته على الشرح الصغير (4/500) في شرب الخمر :
" مفاسِدُهُ أَشَدُّ مِنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا لِكَثْرَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ بِشُرْبِهِ زِنًا وَسَرِقَةٌ وَقَتْلٌ ، وَلِذَا وَرَدَ أَنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ " انتهى .
فالأصل أن الزنا أعظم الثلاثة ، ثم الخمر ، ثم الميسر ، ولكن الأمر قد يختلف ، وذلك بحسب ما يترتب عليه من الفساد ؛ والواجب الابتعاد عن ذلك كله وما شابهه من الكبائر المحرمات .
فمن ابتلي بشيء من هذه القاذورات يوما من الدهر ، فليستتر بستر الله ، وليبادر بالتوبة قبل فوات الأوان ، وقبل أن يطبع على قلبه بتوالي السيئات ، وسواد الخطيئات .
قال الله تعالى ـ بعد ما عدد كبائر الإثم والفواحش ، من الشرك بالله وقتل النفس والزنا وغير ذلك ـ : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68-71 .
والله تعالى أعلم .