الحمد لله.
أولا :
إذا كان الهبوط بالمظلة من الطائرة يقوم به الجيش والمجندون لغرض التدريب على أساليب القتال الحديثة والمناورات الحربية فلا بأس به ، بل هو مأمور به ، لقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال / 60
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أي ( وَأَعِدُّوا ) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ( مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أي : كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم ، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات ، من المدافع والرشاشات ، والبنادق ، والطيارات الجوية ، والمراكب البرية والبحرية ، والحصون والقلاع والخنادق ، وآلات الدفاع ، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم ، وتَعَلُّم الرَّمْيِ ، والشجاعة والتدبير .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن القوة الرَّمْيُ ) ومن ذلك : الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال ، ولهذا قال تعالى : ( وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علته .
فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها ، كالسيارات البرية والهوائية ، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد ، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة ، وجب ذلك ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 324-325) .
وأما إذا كان الهبوط على سبيل الرياضة واللعب والترفيه : فلا يجوز ، وأقل أحواله الكراهة إن كان الغالب على الظن السلامة ، فإن غلب على الظن أن ممارسه يتلف ، أو يصيبه ضرر في بدنه أو نفسه : حرم حينئذ .
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ ، فَوَقَعَ فَمَاتَ ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ . وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده (20224) ، وحسنه الألباني .
قال ابن بطال رحمه الله :
" ومعناه إن شاء الله - : فقد برئت منه ذمة الحفظ ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه ، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام ؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر" . انتهى.
"شرح البخاري" (5/89) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ومفهومه الجواز عند عدمه ، وهو المشهور من أقوال العلماء ؛ فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء " انتهى . "فتح الباري" (6/88) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل تجوز المغامرة بالنفس أو المخاطرة ، كما نرى حالياً في بعض أنواع الرياضة العنيفة التي قد تؤدي بمن يمارسها إلى الهلاك ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
" هذا محرم ، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر ؛ لأن الله تعالى يقول ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك فقال ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) ؛ فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه أيضاً محرم . قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) فكما أن الإنسان لا يحل له أن يعتدي على غيره ، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو الضرر " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (13/252) .
فالحاصل :
أن من قام بذلك النوع من الأعمال والمخاطرات : فإن كان ذلك من أجل التدريب على أساليب القتال الحديثة لإعداد القوة للأعداء: فلا حرج عليه فيه ، بل هو مأجور عليه إن شاء الله ، لكن ينبغي على المسؤول عن ذلك والقائم عليه : أن يتخير من يصلح لهذا النوع من المهمات ، من حيث استعداده البدني والنفسي ، وقدرته على القيام بهذا النوع من المهام ، ومراقبة تدرجه في النهوض بأعباء ذلك ، قبل أن يمارس المهمة فعلا .
فإن مات ، أو تضرر بذلك ، فليس قاتلا لنفسه ، بل هو مأجور على قصده وعمله ، إن شاء الله .
وأما لمجرد الرياضة والتسلية ، كما هو شائع اليوم ، ففيه التفصيل السابق .
والله تعالى أعلم .