الحمد لله.
هذه كلمات مخترعة ، ومخترعوها كاذبون في زعمهم ، لا يطبقون ذلك في أنفسهم ، فيتنازلوا للشعب ولا عن رأي واحد من آرائهم ، بل هي نغمة تغرير لإلهاء الشعوب التي تحب التنفس من حكمها الأول لتنخدع بالحكم الثاني ، الذي هو أشقى وأضل سبيلاً .
والحق ؛ أن الشعوب البشرية يجب أن تكون مصونة الكرامة ، نائلة للعدل والحرمة الصحيحة ، لا تساق كالأنعام ، ولكن لا يجوز إطلاق هذه الكلمات على عواهنها ، فالحكم لله الذي يجب أن يكون توجيه الشعب على نور وحيه وحكمه على وفق شريعته ، قال الله تعالى: ( إِنْ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ) الأنعام/57 . وقال : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 . لا أن يقول : ( الحكم للشعب ) مَنْ يوجه الشعوب نحو رغباته هو من أصحاب المذاهب المادية والمبادئ الوثنية المخالفة لما أنزل الله ، ويفرض سلطته عليها قهراً تحت شعارات دجلية ماكرة .
كذلك ( مال الله ) يجب صرفه في المصالح العامة ، وحفظ ثغور المسلمين ، والدفاع عن جميع قضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها فوق كل شيء ، والقيام بالدعوة إلى الله ، والاستعداد بكل قوة لقمع المفتري عليه أو المعتدي على بعض المسلمين ، وسد حاجة ذوي الحاجات المذكورين في سورة الحشر في قوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/8-10 .
ويقدم في صرفه ما تدعو الحاجة الضرورية إليه من ذلك ، هكذا يعمل بمال الله ، لا يجوز أن ينتهبه ذو الأنانية ، ولا أن يصرف في البذخ والميوعة والتبذير ، فضلاً عن الفسق والفجور والمسارح والبلاجات الخليعة .
ولا يجوز قطعاً أن يقال ( مال الشعب ) لأنه إذا سُلِّم هذا كان لهم أن يفعلوا ذلك ، وأن يبددوا قسماً كبيراً منه على حفظ سلطانهم والتجسس وشراء الضمائر هذا من جهة – ومن جهة أخرى – فإن الشعب يختلف في القوة والضعف والغنى والفقر والجهل والصلاح والحزم والخمول ، فكيف يكون المال ملكاً للمستغني عنه بثروته أو بقوته أو بعلمه وفنه أو من يجب حرمانه منه لفساده وخبثه ، وما إلى ذلك ؟!
وصدق الله العظيم إذ يقول : ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ) يونس/32 . ولكن راجت هذه الأكاذيب لتعطيل الحكم بالشريعة .
انظر : "الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة" ص (55-56) بتصرف يسير .
لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله .
فلا يجوز أن يقال المال مال الشعب ، لأن ذلك معناه أن للشعب أن يتصرف في المال حسب ما يشتهي .
والحق ؛ أن المال مال الله ، وعلى جميع الناس أن ينفقوه كما أمر الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (10/281) عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" بَلْ الْمَالُ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ كُلُّهُ هُوَ مَالُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ الْمَالَ فِي طَاعَتِهِ ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي قِسْمِهِ كَمَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي سَائِرِ مَا يَأْمُرُ بِهِ ; فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ" اهـ .
وقال عن الأموال التي يأخذها الجنود من بيت المال (25/26) :
" وَأَيْضًا فَهَؤُلاءِ الْجُنْدُ إِنَّمَا هُمْ جُنْدُ اللَّهِ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِبَادَهُ ، وَيَأْخُذُونَ هَذِهِ الأَرْزَاقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْجِهَادِ ، وَمَا يَأْخُذُونَهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسُّلْطَانِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ يُقَسِّمُهُ وَلِيُّ الأَمْرِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ" اهـ .
وقال أيضاً (28/268) :
" وَلَيْسَ لِوُلاةِ الأُمُورِ أَنْ يَقْسِمُوهَا (يعني أموال بيت المال) بِحَسَبِ أَهْوَائِهِمْ ، كَمَا يَقْسِمُ الْمَالِكُ مِلْكَهُ ; فَإِنَّمَا هُمْ أُمَنَاءُ وَنُوَّابٌ وَوُكَلاءُ لَيْسُوا مُلاكًا ; كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (إنِّي - وَاَللَّهِ - لا أُعْطِي أَحَدًا وَلا أَمْنَعُ أَحَدًا ; وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْت) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَهَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَنْعُ وَالْعَطَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَالِكُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ ، وَكَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ يُعْطُونَ مَنْ أَحَبُّوا وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَبْغَضُوا ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْسِمُ الْمَالَ بِأَمْرِهِ فَيَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى" اهـ.