الحمد لله.
إذا كان ذلك في أذان صلاة الجمعة الذي يكون بعد صعود الخطيب المنبر ، فيحرم البيع والشراء حينئذ ، لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الجمعة/9 .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) معناه : ترك الاشتغال بالتجارة والتوجه لسماع الخطبة وأداء صلاة الجمعة في المسجد مع الإمام ، وهذا يعني : تحريم البيع والشراء بعد الأذان الثاني الذي هو عند جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي الصلاة ، إلا لضرورة تدعو إلى الشراء ؛ كماء للطهارة أو ثوب يستر به عورته للصلاة" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13 / 101-102)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضا ، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع ، فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع ؛ لأنه لم يملكه ، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين ؛ لأنه لم يملكه ، وهذه مسألة خطيرة ؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم " انتهى .
"الشرح الممتع" (8/52) .
فلا يجوز البيع والشراء بعد الأذان الثاني للجمعة ، لأن الواجب السعي إلى المسجد لسماع الخطبة والصلاة ، والبيع يشغل عن ذلك .
أما إذا كان ذلك في سائر الصلوات (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فلا حرج من ذلك، بشرط ألا يشغل عن صلاة الجماعة ، ويكون سبباً في تضييعها .
وقد قال الله تعالى : (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور/37 .
"فهؤلاء الرجال ، وإن اتجروا ، وباعوا ، واشتروا ، فإن ذلك لا محذور فيه . لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ، ونهاية مقصدهم ، فما حال بينهم وبينها رفضوه" انتهى من "تفسير السعدي" (ص/ 569) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل يحرم البيع أثناء الأذان وبعده ، وكيف الحال في يوم الجمعة ؟
فأجاب :
"قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) فلا يجوز البيع والشراء ولا الإجارة ولا المساقاة ولا غير ذلك ، بل يجب أن يتفرغ العباد لصلاة الجمعة ، ويبادر لصلاة الجمعة ، ولا يتشاغل بشيء آخر .
أما الأوقات الأخرى فقد تلحق بالجمعة وقد لا تلحق ، فالأحوط له أن لا يفعل شيئاً بعد الأذان ، بعد أذان بعد الظهر أو العصر أو المغرب ؛ لأنه قد يشغله عن الجماعة ، فالأحوط له أن يحذر ذلك إلا أن يكون شيئاً يسيراً ما يشغل فلعله لا حرج فيه ؛ لأن الله - جل وعلا - إنما جاء عنه النص في مسألة الجمعة ؛ لأن أمرها عظيم ، ويجب حضورها ، وتفوت بفواتها ، فأمرها أعظم ، وهي فرض الأسبوع .
فالمقصود : أن الجمعة لا يقاس عليها غيرها ، لكن إذا هجر هذا الشيء وابتعد عنه لئلا يشغله عن الجماعة كان هذا أولى .
وبكل حال ... إذا كان بيعه قد يشغله عن أداء الصلاة في الجماعة حُرم ، لكن في بعض الأحيان تكون الصلاة متأخرة ، إذا تأخر الإمام ، ويمكن للإنسان في طريقه أن يشتري سلعة ويبيعها ، قد لا يضر حضوره الصلاة . وكونه يبتعد عن هذا الشيء ، ويستأنس بما جاء في الجمعة يكون هذا أحوط حتى يتشبه بالجمعة في الحذر" انتهى .
(من فتاوى نور على الدرب)
والله أعلم .