الحمد لله.
لا يجوز للمسلم أن يتبرع بجسده للبحث الطبي بعد وفاته ، وذلك لأن البحث الطبي قائم على تشريح الجثة وتقطيعها وفحصها ، وإجراء التجارب والاختبارات عليها ، ومثل هذه الأمور لا يحل فعلها بجسد المسلم .ويدل على ذلك جملة من الأمور وهي:
الأول :
أن حرمة جسد المسلم بعد وفاته محفوظة مصونة ، لا يجوز الاعتداء عليها بأي نوع من أنواع الأذى ، سواء بجرح أو تكسير أو تشريح أو غيره إلا لموجب شرعي يقتضي ذلك .
وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ). رواه أبو داود (3207) ، وعند ابن ماجه (1617) بلفظ : ( كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ ) ، وصححه النووي في "خلاصة الأحكام" (2/1035) ، والألباني في "الإرواء" (763) .
قَالَ الطِّيبِيُّ : " إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَا يُهَان مَيِّتًا كَمَا لَا يُهَان حَيًّا ". انتهى من "عون المعبود"(9/18).
وقال الباجي : " يُرِيدُ أَنَّ لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ مَوْتِهِ مِثْلَ مَا لَهُ مِنْهَا حَالَ حَيَاتِهِ ، وَأَنَّ كَسْرَ عِظَامِهِ فِي حَالِ مَوْتِهِ يَحْرُمُ ، كَمَا يَحْرُمُ كَسْرُهَا حَالَ حَيَاتِهِ " . انتهى من " المنتقى شرح الموطأ" (2 / 63) .
الثاني :
أن الواجب في جسد المسلم بعد موته تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ثم دفنه ، وفي تبرعه بجسده للبحث الطبي إسقاط لهذه الواجبات .
الثالث :
أن جعل جثة المسلم محلاً للتشريح والتدريب والتعليم مناف لتكريم الله له .
وأما وجود الحاجة لتشريح الجثث للبحث العلمي ، فهذه الحاجة يمكن أن تتحقق بجثث غير المعصومين . [ غير المعصوم هو الكافر الحربي ، والمرتد عن الإسلام ]
وقد صدر بذلك قرار من هيئة كبار العلماء جاء فيه : " ... نظراً إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته [ أي المسلم ] ، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفية بتيسير الحصول على جثث أموات غير معصومة ، فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث وعدم التعرض لجثث أموات معصومين ". أبحاث هيئة كبار العلماء (2 / 84) ، ولقراءة القرار كلاما ينظر السؤال رقم (92820) .
والله أعلم .