الحمد لله.
أولا :
قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) يونس/180 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى ، أي: له كل اسم حسن ، وضابطه : أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة ، وبذلك كانت حسنى ...
وقوله: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي : عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه .
وحقيقة الإلحاد : الميل بها عما جعلت له ، إما بأن يسمى بها من لا يستحقها ، كتسمية المشركين بها لآلهتهم ، وإما بنفي معانيها وتحريفها ، وأن يجعل لها معنى ما أراده اللّه ولا رسوله ، وإما أن يشبه بها غيرها ؛ فالواجب أن يُحذر الإلحادُ فيها ، ويُحذر الملحدون فيها..".
"تفسير السعدي" (309) باختصار .
وينظر : بدائع الفوائد لابن القيم (1/179) ، القواعد المثلى ، لابن عثيمين (25-26) .
وبذلك يتبين أن لله تعالى أسماء ، لا يستحقها غيره ، وأن إطلاق هذه الأسماء على أحد من خلقه هو من الإلحاد في أسمائه ، الذي يستحق صاحبه أن يجازى به عند ربه يوم القيامة .
ثانيا :
أسماء الله تعالى وصفاته ، وإن كانت كلها مختصة به سبحانه من حيث المعنى ؛ فلا يشبه أحدا من خلقه في شيء منها ، بل ما ثبت له منها يليق بجلال الألوهية ، وعظمة الربوبية ، كما أن ما ثبت لخلقه يليق بحال العبودية ؛ لكن مع ذلك قد ورد في الشرع تسمية الله تعالى بأسماء وصفات ورد إطلاقها على بعض خلقه ، وهذا إنما هو من حيث اللفظ والتسمية فقط ، وإلا فما يضاف إلى الله تعالى مختص به ، لا يشركه فيه أحد من خلقه ، كما أن ما يضاف إلى العبد هو مختص به ، يليق بحاله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا سمى الله نفسه بأسماء ، وسمى صفاته بأسماء ، وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره . وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم ، مضافة إليهم ، توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص ، ولم يلزم من اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص : اتفاقهما ، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص ، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص .
فقد سمى الله نفسه حيا فقال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، وسمى بعض عباده حيا ، فقال : يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، وليس هذا الحي مثل هذا الحي ، لأن قوله ( الحي ) اسم لله مختص به ، وقوله : يخرج الحي من الميت اسم للحي المخلوق مختص به ، وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ، ولكن ليس للمطلق مسمى موجود في الخارج ، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرا مشتركا بين المسميين ، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق ، والمخلوق عن الخالق .
ولا بد من هذا فى جميع أسماء الله وصفاته ، يفهم منها ما دل عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق ، وما دل عليه بالإضافة والاختصاص المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه - سبحانه وتعالى ..
وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن ، وسمى بعض عباده بالمؤمن ، فقال : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون وليس المؤمن كالمؤمن " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (3/10-12) باختصار.
والحاصل : أنه لا حرج في التسمي بـ ( المؤمن ) من هذه الناحية ؛ لأن اسم المؤمن ليس من الأسماء الخاصة بالله جل جلاله ، والتي يمنع من تسمية الخلق بها ، بل قد سمى الله سبحانه نفسه بالمؤمن في كتابه الكريم ، وكذلك سمى بعض عباده بالمؤمنين ، والمؤمنين ؛ لكن ذلك لا يعني أن المعنى فيهما واحد ، بل للخالق من الصفات ما يخصه ويليق به ، لا يشاركه في حقيقته شيء من خلقه ، ولخلقه ما يليق بهم من الأسماء والمعاني .
والله أعلم .