لو حفرت قبرا أو قبرين لدفن ميتنا فيه ، وبعد أن يبلى الجلود واللحوم ننبشه ونخرج العظام ووضعها في بئر العظام وندفن ميتا آخر غيره في ذلك القبر ، لضيق المكان وعدم اتساعه لمقابر كثيرة لأن الأرض محدودة لقبرين وبئر واحد للعظام .
الحمد لله.
إذا دفن الميت في القبر فالواجب تركه حتى يبلى ، ولا يبقى له أثر ، ولا يجوز نبش القبر وإخراج عظام الميت منه ، ليدفن فيه آخر ، بل الميت أحق به إلى أن يبلى .
قال الإمام الشافعي فيمن حفر فوجد عظام ميت : “وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن” انتهى .
“الأم” (1/316) .
وقال النووي رحمه الله في “المجموع” (5/273) :
“وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ .
وَيَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا , وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ , وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِنَاؤُهَا وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ , وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ . وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ , قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله : وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا ” انتهى .
وقال ابن قدامة في “المغني” (2/194) :
” وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ بَلِيَ وَصَارَ رَمِيمًا , جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ , وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ . فَإِنْ حَفَرَ , فَوَجَدَ فِيهَا عِظَامًا دَفَنَهَا , وَحَفَرَ فِي مَكَان آخَرَ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ” انتهى .
وإذا لم يوجد مكان لدفن الميت إلا أن ينبش قبر فيه ميت ويدفن فيه ، فيجوز ذلك للضرورة ، ولكن في هذه الحالة يجب أن يدفن معه ، ولا يجوز إخراج عظام الميت الأول من القبر .
قال في “تحفة المحتاج” (3/173) :
“وَيَحْرُمُ إدْخَالُ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَا [يعني في الجنس] قَبْلَ بِلَى جَمِيعِهِ … ومحل تحريمه : عند عدم الضرورة ، وأما عندها فيجوز كما في الابتداء” يعني : كما يجوز أن يدفن اثنان معاً في ابتداء الدفن للضرورة .
وفي “الفتاوى الفقهية الكبرى” لابن حجر الهيتمي رحمه الله (2/14) :
“حيث حفر قبر إما تعديا وإما مع ظن أنه بلي ولم يبق فيه عظم فوجد فيه عظم ، رد التراب عليه وجوبا ، ولا يجوز الدفن فيه قبل البلى .
وفي “الروضة” وغيرها : يحرم نبش قبر الميت ودفن غيره فيه قبل بلائه عند أهل الخبرة بتلك الأرض ، فإن حفر فوجد فيها شيء من عظم الميت قبل تمام الحفر وجب رد ترابه عليه ، وإن وجدها بعد تمام الحفر جعلها في جانب من القبر وجاز لمشقة استئناف قبر دفن الآخر معه” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره فإنه أحق به ، وحينئذ لا يدخل عليه ثانٍ ، اللهم إلا للضرورة القصوى” انتهى .
“الشرح الممتع” (5/369) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
يوجد لدينا محل الأموات على شكل غرفة تحت الأرض ، حيث يوضع الميت ، وبعد سنة يفتح هذا القبر ، ويوضع ميت آخر ، فهل يعذب المذنب ، ويؤذى المحسن في قبر واحد ؟
فأجاب :
“السنة أن يقبر كل إنسان على حدة مع القدرة ، إذا اتسعت الأرض ، وأمكن قبر كل واحد على حدة فهذا هو السنة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم في البقيع يقبرون الموتى هكذا ، كل واحد على حده ، أما إذا حصل ضرورة ولم يوجد مكان إلا هكذا فلا حرج ، وكل يؤاخذ بذنبه ، المحسن يجازى بإحسانه ، والمسيء يجازى بإساءته ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) لكن مهما أمكن فالمشروع أن يدفن كل واحدٍ على حدة ، كل قبر على حدة ، ولا يجمع في محل واحد ” انتهى من موقع الشيخ . وعلى هذا ، فالواجب عليكم التعاون لإيجاد طريقة للدفن الشرعي ، بزيادة الأماكن المخصصة لدفن الموتى ، حتى يكون لكل ميت قبر .
فإن لم يمكن هذا ، فيجوز إدخال ميت على ميت في القبر للضرورة ، ولكنه لا تخرج عظام الميت الأول من القبر ، بل تجعل في جانب ثم يدفن معه الثاني .
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم : (115531) .
والله أعلم