الحمد لله.
أولاً:
1. الرُّجبي : لعبة رياضية تقام بين فريقين من اللاعبين ، ويتكون كل منهما من اثني عشر لاعباً ، يحاول كل منهم تسجيل هدفٍ في مرمى الفريق الخصم عن طريق ضرب الكرة بالقدم ، أو إيصال الكرة خلف منطقة مرمى الفريق الخصم وجعلها تلامس أرضه ، ويفوز الفريق الذي يتمكن من تحقيق أكبر عدد من النقاط خلال المباراة .
2. وملعب هذه اللعبة شبيه بملعب كرة القدم لكن كرتها بيضوية الشكل ( وليست دائرية ) ، ويمكن حمل الكرة باليد وركلها بالقدم ، والمرمى مختلف تماماً .
3. سميت هذه اللعبة باسم " الرُّجبي " نسبة إلى كلية " رجبي " في إنجلترا - بريطانيا - ، حيث كانت انطلاقتها الفعلية منها .
4. وتمتاز هذه اللعبة بالعنف الشديد ؛ لأن كل لاعب فيها معرض للضرب والسحب والإيقاع وربما قطع التنفس ؛ لأن كل ذلك مباح في اللعبة ، فالمهم الحصول على الكرة ورفعها إلى المرمى ضربا أو السير بها حتى عبور خط الهدف المقرر !! .
5. وتصنف هذه اللعبة ضمن الأنشطة الرياضية المرتبطة بالعدوان المباشر والعنف بدرجة كبيرة جدّاً ! .
6. تمارس هذه اللعبة بصورة كبيرة في البلدان الغربية أما عند المسلمين فهي قليلة الانتشار إذا ما قورنت بغيرها من الألعاب .
7. وقريب منها في الوصف : " كرة القدم الأمريكية " إلا أنها أشد عنفاً منها ، حيث كانت تمارس بصورة عنيفة للغاية ، تحدث أضراراً بليغة في الجسد جراء الإصابات التي قد تؤدي إلى عجز اللاعب جسديّاً ! .
ثانياً:
أما حكمهما :
فإنه يعدُّ إلحاق الأذى بالآخرين دون سبب مشروع : أمراً محرَّماً ، سواء أكان الضرر نفسيّاً ، أو جسديّاً ، وهاتان اللعبتان قائمتان على إلحاق الأذى الجسدي باللاعبين بدرجة كبيرة ؛ إذ لا يمكن الحصول على الكرة دون الالتحام المباشر بين اللاعبين ، والذي يصحبه بعض الضرب والسحب والالقاء بالخصم نحو الأرض بشدة والقفز على الخصم لمنعه من الوصول إلى منطقة المرمى ، ونحو ذلك من الممارسات التي تبيحها طبيعة اللعب ، مما يعرض جسد اللاعب لخطر الرضوض الشديدة والكسور والإصابات المختلفة ، والتي قد تلحق بأحضاء خطيرة كالرأس والوجه وغيرها .
لذلك ؛ فممارسة هاتين اللعبتين على النحو المذكور : يعدُّ محرَّماً شرعاً ؛ لما فيه من الأذى المحرم .
ومما يدل على حرمة إلحاق الأذى بالنفس وبالآخرين ، آيات وأحاديث كثيرة من ذلك :
1. قوله تعالى ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِين ) المائدة/ 87 ، فالآية جامعة عامة في النهي عن كل اعتداء ، وهو شامل لما تجاوز حدود الله تعالى فيما أحل وحرم ، فمن آذى غيره : فقد اعتدى ، ومن اعتدى : فقد جاوز حده ، ووقع في المعصية ، وكان من الذين يبغضهم الله تعالى .
2. قوله صلى الله عليه وسلم : ( المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ ) - رواه البخاري ومسلم – واللفظ للبخاري - ، فإلحاق الأذى الجسدي بالآخرين دون سبب مشروع : محرَّم .
3. وقال صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّ دِمَاءَكُم وَأَمْوَالَكُم وَأَعْرَاضَكُم عَلَيْكُم حَرَام ) - رواه البخاري - ، فيحرم على المسلم أن يعرِّض حياة أخيه للهلاك ، أو أن يجني عليه جناية في نفسه أو عرضه أو ماله .
4. قوله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَار ) – رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " - ، فلا يحل لمسلم أن يلحق الضرر بنفسه ، أو بالآخرين ، أو أن يقابل ضررهم بضرر مثله ، وهذا اللعب قائم على إلحاق الضرر بالخصم بصور شتى ، وذلك منهيٌّ عنه .
5. وصورة هذا اللعب فيها مخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم من الرفق والبُعد عن العنف ، إذ يقول صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) - رواه مسلم - ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) - رواه مسلم ، ومعنى ( زانه ) : أي : جمَّله وحسَّنه ، وأما معنى ( شانه ) : فقبَّحه وعابه وشوَّهه - .
قال الإمام النووي :
وفي هذه الأحاديث فضل الرفق ... وذم العنف والرفق : سبب كل خير ، ومعنى ( يعطي على الرفق ) أي : يثيب عليه ما لا يثيب غيره ... .
" شرح مسلم " ( 16 / 145 ) .
ولا شك أن آثار هذا العنف تنعكس على حياة اللاعبين ! بالإضافة إلى ما يقود إليه ذلك من الضغائن والأحقاد وحب الانتقام بين اللاعبين ، وبين مشجعيهم ! .
ثالثاً:
لا
يقال إن اللاعبين لا يقصدون الأذى ، أو أنه مباح في عرف اللعب وقانونه ، أو
أنهم راضون به ؛ لأن اللعب قائم على لحوق الأذى الجسدي باللاعبين ، سواء قصدوه أم
لا ، ثم إن إباحة ذلك ضمن عرف اللعب أو قانونه : مردود بأن المباح ما أباحه الله
تعالى وهذا مخالف ما أباحه الله تعالى ، أما رضى اللاعبين به : فإن الرضا بالمحرَّم
: لا يبيحه .
ولا يقال أيضا بأن في هذه اللعبة تعويداً للجسد على تحمل المشاق والصعاب ، وفي ذلك تقوية له وإعانته على الجهاد ؛ لأن القصد كما ينبغي أن يكون مباحاً - وهو هنا تقوية الجسد والإعانة على الجهاد - : فلا بدَّ أن تكون وسيلته مباحة أو العمل مباحا ، وإلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين : ليس مباحا ، مع ما فيه من إهلاك الجسد ، بدلا من تقويته .
ولا يقال - أيضاً - إن الصراع مباح في الإسلام ، وهو عنف ؛ لأن الصراع المباح هو الذي يخلو من إلحاق الضرر والأذى الغالب بالآخرين ، وإلا حرُم .
فإن هُذبت هاتان اللعبتان من العنف والخشونة التي فيها : فإنها عند ذلك تباح ، إذا خلت من المحذورات الشرعية الأخرى ، ككشف العورات ، والسباب ، ونحوها .
بل إن ممارستهما إن هذبتا : قد تُندب ، لا سيما للجند ، والشرطة ؛ تعويداً على المهام القتالية ، والقبض على المجرمين بعد ملاحقته ، ونحو ذلك ، والله تعالى أعلم .
انتهى – بتمامه - من كتاب " الألعاب الرياضية أحكامها وضوابطها في الفقه الإسلامي " ، تأليف : علي حسين أمين يونس ، بإشراف الشيخ عمر الأشقر ، ( ص 135 - 139 ) .
والله أعلم