الحمد لله.
الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب ، لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي . صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
و"الراشي" هو معطي الرشوة ، و"المرتشي" هو آخذها .
وهي محرمة على الآخذ في جميع الأحوال .
ومحرمة على المعطي كذلك ، إلا إذا لم يتوصل إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه إلا بالرشوة .
قال الخطابي رحمه الله : "إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه ، أو يدفع عن نفسه ظلماً : فإنه غير داخل في هذا الوعيد " انتهى من "معالم السنن" ( 5 / 207 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه ، أو ليعطيه حقه الواجب : كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إني لأعطي أحدهم العطية ...الحديث )" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) .
وقال أيضا :" قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَجُوزُ رِشْوَةُ الْعَامِلِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ ، لا لِمَنْعِ الْحَقِّ ، وَإِرْشَاؤُهُ حَرَامٌ فِيهِمَا ( يعني : أخذه للرشوة حرام ) . . .
وَمِنْ ذَلِكَ : لَوْ أَعْطَى الرَّجُلُ شَاعِرًا أَوْ غَيْرَ شَاعِرٍ ; لِئَلا يَكْذِبَ عَلَيْهِ بِهَجْوٍ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ لِئَلا يَقُولَ فِي عِرْضِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : كَانَ بَذْلُهُ لِذَلِكَ جَائِزًا ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ ذَلِكَ لِئَلا يَظْلِمَهُ حَرَامًا عَلَيْهِ ; لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ ظُلْمِهِ . . .
فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ لِئَلا يَكْذِبَ عَلَى النَّاسِ ، أَوْ لِئَلا يَظْلِمَهُمْ كَانَ ذَلِكَ خَبِيثًا سُحْتًا ; لأَنَّ الظُّلْمَ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَهُ بِلا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَظْلُومِ ، فَإِذَا لَمْ يَتْرُكْهُ إلا بِالْعِوَضِ كَانَ سُحْتًا " انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (29/ 252) .
وينظر للفائدة : سؤال رقم :(72268) ، ورقم :(70516) .
وعليه :
فإن كان هذا الطبيب معروفاً بعدم إعطاء المريض حقه من الاهتمام والفحص ، أو بإلحاق الأذى بالمريض ، ولم يوجد طبيب غيره ، فلا حرج عليك فيما فعلت .
وينبغي الحذر من التساهل في هذا الأمر العظيم ، فإن هذا التساهل - مع كونه محرماً - هو سبب من أسباب انتشار الرشوة وعظم البلاء بها ، والواجب أن يبحث الإنسان عن الوسائل المشروعة لقضاء حوائجه قبل أن يقدم على الرشوة .
وعلى هذا الطبيب - وغيره من الموظفين - أن يتقوا الله تعالى فيما ولّوا من الأعمال ، فإن الله تعالى سائلهم عن ذلك ، وأن يعلموا أن الرشوة محرمة ، وأن هدايا العمال محرمة ، وأن المال الحرام عاقبته إلى خسار وبوار ، وأن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به .
نسأل الله السلامة والعافية .
والله أعلم .