الحمد لله.
أولا :
هذا الخبر الذي أورده الحافظ في ترجمة أبي الكنود لا يصح ؛ فإن عمرو بن زهير مجهول لا يعرف ، ولا يمكن أن يكون أدرك جده أبا الكنود ، وذلك لأمرين :
أولا : أن ابن يونس لم يذكر لأبي الكنود راويا غير ابنه القاسم .
ثانيا : أن سعيد بن عفير راوي الخبر عن عمرو بن زهير لا يروي عن أحد من التابعين ، وإنما أكابر شيوخه من أتباع التابعين ، من أوساطهم وصغارهم ، أمثال : الليث بن سعد ومالك وابن لهيعة وسليمان بن بلال ويحيى بن أيوب الغافقي ويعقوب بن عبد الرحمن وابن وهب وأشباههم .
ولذلك عده الحافظ في التقريب من الطبقة العاشرة .
راجع : "تقريب التهذيب" (1 / 362) – "تهذيب التهذيب" (4/66) .
وهي طبقة كبار الآخذين عن تبع الأتباع ، ممن لم يلق التابعين ، كأحمد بن حنبل .
ينظر : "تقريب التهذيب" (1 / 26) .
فسعيد لم يأخذ عن أحد من التابعين ، وعلى ذلك فشيخه في الخبر المذكور ، وهو عمرو بن زهير ، ليس من التابعين ، وحيث إنه لم يسنده : فالخبر معضل ضعيف لا يحتج به .
وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج به على أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ من الهلال شعارا .
ثانيا :
اتخاذ الهلال شعارا لا يعلم له أصل في الشرع ، ولم يكن معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد أصحابه رضي الله عنهم ، ولا في عهد التابعين ، وحيث لا تعرفه القرون الفاضلة ، فليس هو من سنة المسلمين ، وإنما انتقل إليهم من غيرهم .
قال في "وفيات الأسلاف" : " وضع رسم صورة الهلال على رءوس منارات المساجد بدعة ، وإنما يتداول ملوك الدولة العثمانية رسم الهلال علامة رسمية أخذا من القياصرة ، وأصله أن والد الإسكندر الأكبر لما هجم بعسكره على بيزنطة ، وهي القسطنطينية ، في بعض الليالي دافعه أهلها وغلبوا عليه وطردوه عن البلد ، وصادف ذلك وقت السحر ، فتفاءلوا به واتخذوا رسم الهلال في علمهم الرسمي تذكيرا للحادثة ، وورث ذلك منهم القياصرة ، ثم العثمانية لما غلبوا عليها ، ثم حدث ذلك في بلاد قازان " انتهى .
"التراتيب الإدارية" للشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله (1 / 320) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وضع الأهلة على المنائر قيل : إن بعض المسلمين الذين قلدوا غيرهم فيما يصنعونه على معابدهم ، وضعوا الهلال بإزاء وضع النصارى الصليب على معابدهم ، كما سموا دور الإسعافات للمرضى ( الهلال الأحمر ) بإزاء تسمية النصارى لها بـ ( الصليب الأحمر ) وعلى هذا فلا ينبغي وضع الأهلة على رؤوس المنارات من أجل هذه الشبهة ، ومن أجل ما فيها من إضاعة المال والوقت " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 / 941)
ينظر جواب السؤال رقم : (1528)
والله تعالى أعلم .