أنا وصديقتي المسلمة تعرضنا لموقف مفاجئ خفنا فيه على شرفنا وعلى حياتنا ، لم أخف في حياتي مثل ما خفت ذلك اليوم ، وكنت أقرأ آية الكرسي ، والحمد لله لم يحدث شيء ، وعندما سمع بعض الأشخاص ما حدث قال : إنه يجوز عند الحاجة القصوى الانتحار إذا كانت الفتاة على وشك أن تُغتصب فتَقْتُل الفتاة نفسها بدلاً من أن تفقد شرفها وشرف زوجها وشرف أهلها ، فهل الانتحار في هذا الموقف حلال ؟ . أرجو أن تخبروني برأي العلماء في ذلك ؟ .
الحمد لله.
أولاً:
نحمد الله تعالى الكريم جل جلاله، أن نجاكما من ذلك الحادث الأليم ، فحفظَ عليكما عرضَكما ، وحياتَكما ، فالزما الشكر لله تعالى ربكما ، واستقيما على طاعته ، فقد أكرمكما الله تعالى بنعمة جليلة .
ثانياً:
الانتحار – وهو قتل النفس – من كبائر الذنوب ، ولا يحل لأحدٍ أن يقدِم عليه ، مهما بلغت ظروف الراغب في الانتحار قسوة ، ومهما عظمت حالته ، فالحديث على عمومه ، ولا يجوز إخراج صورة من صور عمومه بغير نص من نصوص الوحي المعصوم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) .
رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .
ثالثاً:
المرأة التي يراد الفجور بها يجب عليها أن تدفع عن نفسها ذلك الفعل الآثم ، ولو أدى إلى قتل ذلك الفاجر المجرم .
كما يجب أن يُعلم أنه لو قدَّر الله تعالى عليها وقوع الاغتصاب : فلا تكون زانية ، ولا يقام عليها حد الزنى ، بلا خلاف بين العلماء نعلمه .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - :
لا خلاف عليه علمته بين علماء السلف والخلف : أن المكرهة على الزنى لا حدَّ عليها، إذا صح إكراهها واغتصابها نفسها .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
" الاستذكار " ( 7 / 511 ) .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 4017 ) .
رابعاً:
أما بخصوص قتل المرأة نفسها بسبب الاغتصاب : فله صورتان :
الأولى : أن تقتل نفسها قبل أن تُغتصب لغلبة ظنها وقوع ذلك عليها .
والثانية : أن تقتل نفسها بعد وقوع الاغتصاب عليها ؛ خشية من العار أن يلحق بها ، أو بزوجها ، أو بأهلها ، أو بهم جميعاً .
وفي كلتا الحالتين لا يحل للمرأة أن تقتل نفسها ، وليس ذلك عذراً في الشرع لقتل النفس ، بل عليها أن تدفع بما أوتيت من قوة في الحال الأولى ، وعليها أن تصبر على ما قدَّره الله تعالى عليها ، وتحتسب مصيبتها عند ربها ، في الحال الثانية ، فليست هي بآثمة ، ولا مؤاخَذة على ما وقع عليها ، بل هي مظلومة ، فإن وقع منها قتل نفسها : صارت ظالمة لنفسها ، فأثمت إثماً عظيماً .
جاء في " فتاوى دار الإفتاء المصرية " ( 7 / 277 ) – ترقيم الشاملة - :
لا يحل لها أن تقتل نفسها لتنجو من عار الزنا ؛ لأن قتل نفسها جريمة شنيعة ، لا يقبل الله صاحبها ، ولا يرضى عنه ، وهي في هذه الحالة لا تقلُّ إثماً عمَّن قتل نفساً حرَّم الله قتلها بغير حق ، قال الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء/ 29 ، وقال عليه الصلاة السلام فيما روي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده ينوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بسم فسمه فى يده يتحساه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) وعن جابر رضي الله عنه " أن رجلا قتل نفسه بمشاقص - المِشقص : سهم فيه نصل عريض - فلم يصلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم " رواه الجماعة إلا البخاري .
انتهى
وهو ما يفتي به الشيخ الألباني رحمه الله ، فقد سئل :
إذا اعتُديَ على امرأة مسلمة ، وأراد المعتدون أن يفعلوا الفاحشة بها ، فهل لها قتل نفسَها إذا خشيت ذلك ؟ .
فأجاب :
لا يجوز .
" أشرطة سلسلة الهدى والنور " ( شريط رقم 451 ) .
والله أعلم