الحمد لله.
لا حرج في أخذ الأجرة على الرقية ؛ لما روى البخاري (2276) ، ومسلم (2201) – واللفظ
له - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : " أَنَّ نَاسًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي سَفَرٍ ،
فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ
فَقَالُوا لَهُمْ : هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ
مُصَابٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : نَعَمْ ، فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ فَبَرَأَ الرَّجُلُ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَهَا وَقَالَ : حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ
لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ ، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ : ( وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) ؟ ،
ثُمَّ قَالَ : ( خُذُوا مِنْهُمْ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا تَصْرِيح بِجَوَازِ أَخْذ الْأُجْرَة عَلَى الرُّقْيَة بِالْفَاتِحَةِ
وَالذِّكْر , وَأَنَّهَا حَلَال لَا كَرَاهَة فِيهَا " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " للنووي (14/188) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لَا بَأْسَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
أَحْمَدُ " .
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5 / 408) .
وقال الرحيباني في " مطالب أولي النهى " (3 / 639) :
" وَلَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى رُقْيَةٍ , نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ رحمه الله تعالى , وَاخْتَارَ جَوَازَهُ ، وَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ،
لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ " انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (23 / 98) :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْجُعْل عَلَى الرَّقْيِ " انتهى .
وراجع : " المغني " (5/324) ، " الفروع " (4/435) ، " الإنصاف " (6/47) ، " الفواكه
الدواني " (2/340) ، " منح الجليل " (7/477) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (19 /
339) .
- وللمسترقي أن يشترط الشفاء لاستحقاق الراقي الأجرة ، ويكون هذا من باب الجَعالة ،
وهي نوع من الأجرة ، غير أنها تختلف عنها في بعض الأحكام ؛ لأن الجعالة تجوز على
عمل مجهول.
قال ابن قدامة رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى : لَا بَأْسَ بِمُشَارَطَةِ الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ
; لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حِينَ رَقَى الرَّجُلَ , شَارَطَهُ عَلَى الْبُرْءِ ،
وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا يَجُوزُ , لَكِنْ يَكُونُ جَعَالَةً
لَا إجَارَةً , فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُدَّةٍ , أَوْ عَمَلٍ
مَعْلُومٍ , فَأَمَّا الْجَعَالَةُ , فَتَجُوزُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ , كَرَدِّ
اللُّقَطَةِ وَالْآبِقِ , وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي الرُّقْيَةِ إنَّمَا كَانَ
جَعَالَةً , فَيَجُوزُ هَاهُنَا مِثْلُهُ " .
انتهى من " المغني " (5/314) .
وفي " حاشية الصاوي " (9/98) :
" لَوْ شَارَطَهُ طَبِيبٌ عَلَى الْبُرْءِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إِلاَّ
بِحُصُولِهِ " انتهى .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" إذَا جَعَلَ لِلطَّبِيبِ جُعْلًا عَلَى شِفَاءِ الْمَرِيضِ جَازَ كَمَا أَخَذَ
أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ
قَطِيعٌ عَلَى شِفَاءِ سَيِّدِ الْحَيِّ ، فَرَقَاهُ بَعْضُهُمْ حَتَّى بَرِئَ
فَأَخَذُوا الْقَطِيعَ ؛ فَإِنَّ الْجُعْلَ كَانَ عَلَى الشِّفَاءِ لَا عَلَى
الْقِرَاءَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 / 507) .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" لا مانع من أخذ الأجرة على الرقية الشرعية بشرط البراءة من المرض وزوال أثره " .
انتهى من موقع الشيخ .
http://goo.gl/Szxroq
وبهذا يتبين أنه لا حرج في أخذ الأجرة على الرقية ، ولذلك صورتان :
الأولى : أن تكون أجرة ، وهنا يستحق الراقي الأجرة سواء حصل الشفاء أم لم يحصل ،
وله أن يأخذها قبل العمل أو بعده ، حسب ما يتفقان عليه .
الثانية : أن تكون جعالة ، فلا يستحقها حتى يحصل الشفاء .
وعلى الراقي أن يرقي بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة ، دون الرقية البدعية أو
الشركية ، وأن يخلص فيها النية .
وينبغي أن يُعلم أن الطبيب أو الراقي لا يشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى ، كما
جاء في حديث الغلام والساحر ، لما قال جليس الملك للغلام المؤمن – وقد أتى له
بهدايا كثيرة - : ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني . فقال له الغلام : ( إني لا
أشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى ، فإن أنت آمنت بالله ، دعوت الله فشفاك ) رواه
مسلم (3005) .
وقد روى البخاري (5675) ، ومسلم (2191) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : "
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى
مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ
وَأَنْتَ الشَّافِي ، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ
سَقَمًا) وفي لفظ : ( لَا شَافِي إِلَّا أَنْتَ ) " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" [ فيه ] إِشَارَة إِلَى أَنَّ كُلّ مَا يَقَع مِنْ الدَّوَاء وَالتَّدَاوِي إِنْ
لَمْ يُصَادِف تَقْدِير اللَّه تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا يُنْجِع" انتهى من " فتح
الباري " (10/207) .
والله أعلم .