الحمد لله.
أولا :
لفظ السراح من ألفاظ الطلاق غير الصريح عند جمهور الفقهاء ، فلا يقع به طلاق إلا مع نية الطلاق .
وذهب الشافعية وبعض الحنابلة إلى أنه من الطلاق الصريح ، فلو قال لزوجته : اسرحي ، وقع الطلاق ولا يقبل قوله : لم أنو الطلاق ، إلا إن دلت قرينة على أنه لم يرد الطلاق ، كما لو قال لها : اسرحي ، عقب أمرها بالتبكير لمحل الزراعة . وأفتى ابن حجر المكي من الشافعية بأن : " اسرحي " كناية ؛ لأنه من " سرَح " بالتخفيف ، وليس من " سرّح " بالتشديد .
وذكر الرملي في "نهاية المحتاج" (6/ 429) : أنه لا يقبل من الزوج إذا تلفظ بالطلاق الصريح أنه لم يقصد الطلاق إلا إذا دلت قرينة على ذلك ، وذكر منها : إذا قال لها : "اسرحي عقب أمرها بالتبكير لمحل الزراعة فيقبل ظاهرا" انتهى .
وذهب المالكية إلى أنه يقع الطلاق بلفظ السراح من غير نية ؛ لأنه صريح عند بعضهم ، أو كناية ظاهرة لا تحتاج إلى نية .
والراجح ما ذهب إليه الجمهور ، فلا يقع الطلاق بقوله : السراح ، أو سرحتك أو اسرحي ، إلا إذا نوى الطلاق .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (7/ 294) : " قال : ( وإذا قال : قد طلقتك , أو قد فارقتك , أو قد سرحتك . لزمها الطلاق ) هذا يقتضي أن صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ ; الطلاق , والفراق , والسراح , وما تصرف منهن . وهذا مذهب الشافعي . وذهب أبو عبد الله بن حامد , إلى أن صريح الطلاق لفظ الطلاق وحده , وما تصرف منه لا غير . وهو مذهب أبي حنيفة , ومالك , إلا أن مالكا يوقع الطلاق به بغير نية ; لأن الكنايات الظاهرة لا تفتقر عنده إلى النية . وحجة هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا , فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته .
ووجه الأول أن هذه الألفاظ ورد بها الكتاب بمعنى الفرقة بين الزوجين , فكانا صريحين فيه , كلفظ الطلاق , قال الله تعالى : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )، وقال : ( فأمسكوهن بمعروف )، وقال سبحانه : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته )، وقال سبحانه : ( فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ). وقول ابن حامد أصح ; فإن الصريح في الشيء ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيدا , ولفظة الفراق والسراح وإن وردا في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين , فقد وردا لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا , قال الله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)" انتهى .
وأكثر الناس لا يستعملون هذا اللفظ بمعنى الطلاق ، فلا يكون من ألفاظ الطلاق الصريح عندهم .
والحاصل : أنه لا يقع عليك طلاق بهذا اللفظ ، ما دام زوجك لم يقصد به الطلاق .