هل يجوز للمرأة أن تلبس ما يرتفع عن الأرض بمقدار شبر ؟
في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرخاء الثوب شبراً ، وقول أم سلمة (إذن تنكشف أقدامهن) هل يعني ذلك أن النساء كن يلبس ثيابا ترتفع عن الأرض شبراً .
لأنه إذا كان قد أمر صلى الله عليه وسلم بأن يرخينه شبرا ومع ذلك تنكشف أقدامهن فيبدو أن ثيابهن كانت قصيرة قليلا .
فهل يجوز لنا لبس ما ارتفع عن الأرض شبرا واحدا ؟.
الجواب
الحمد لله.
الواجب على المرأة أن تلبس ما يستر جميع بدنها ، ولا يكشف شيئاً منها ، وقد دلت على
ذلك النصوص الشرعية الكثيرة ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال (6991) .
وأما الحديث الذي رواه الترمذي (1653) والنسائي (5241) وأحمد (4541) عَنْ ابْنِ
عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ
بِذُيُولِهِنَّ ؟
قَالَ :(يُرْخِينَ شِبْرًا) .
فَقَالَتْ : إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ؟
قَالَ : (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) وصححه الألباني .
فليس في الحديث ما يدل على أن النساء كن يلبسن ما يرتفع عن الأرض قدر شبر ، ولعل
السائلة فهمت الحديث فهما مقلوباً .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن في هذا الحديث تحريم جر الثوب على الأرض ، فظنت
أم سلمة أن الحكم يشمل الرجال والنساء ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم :
(فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ ؟) حيث إن ثوب المرأة طويل في
العادة ويجر على الأرض .
فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم لا يشمل النساء ، وأنه يجوز للمرأة
أن تطول ثوبها بمقدار شبر زيادة على الحد المسموح به للرجال.
فخشيت أم سلمة من ذلك أن تنكشف أقدام بعض النساء ، فرخص لها النبي صلى الله عليه
وسلم تطويله بمقدار ذراع.
قال الحافظ ابن حجر : "سألتْ عن حكم النساء في ذلك ؛ لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل
ستر العورة ؛ لأن جميع قدمها عورة ، فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال
... وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء". انتهى "فتح
الباري" (10/259).
قال العيني : "وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار ؛ لأنه يكون أستر لهن". انتهى
"عمدة القاري" (31/434) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "فإن النساء على عهده كن يلبسن ثياب طويلات الذيل ،
بحيث ينجر خلف المرأة إذا خرجت" انتهى "مجموع الفتاوى" (22/147) .
قال البهوتي : "والظاهر أن المراد بـ (الذراع) ذراع اليد ، وهو شبران". انتهى "كشاف
القناع" (1/277) .
ويدل على ذلك ما جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : رَخَّصَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الذَّيْلِ شِبْرًا ، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا ، فَكُنَّ
يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا. رواه أبو داود (4119) وصححه
الألباني .
قَالَ الْحَافِظ : " أَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة قَدْر الذِّرَاع الْمَأْذُون
فِيهِ ، وَأَنَّهُ شِبْرَانِ بِشِبْرِ الْيَد الْمُعْتَدِلَة ". انتهى "فتح الباري"
(10/259) .
وفي المكان الذي يبدأ منه حساب الشبر خلاف بين العلماء ، فقيل يبدأ من الكعبين ،
وقيل من نصف الساق ، وقيل من أول ما يمس الأرض . ينظر : "طرح التثريب" (9 / 38).
ولعل الأقرب أن ابتداءه من الكعبين . وينظر: "فتح الباري" (10/259) .
والحاصل:
أنه يجب على المرأة أن تلبس ثوباً يستر جميع بدنها ، والحديث المذكور لا يدل على أن
النساء كن يلبسن ثياباً قصيرة ، بل يدل على أنهن كن يلبسن ثياباً طويلة .
والله أعلم .