الحمد لله.
اعلم أن الصدق منجاة في الدنيا والآخرة ، وأن الكذب مهلكة .وقد روى مسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .
وإنما يلغز الناس بهذا الذي ذكره السائل ويقصدون اليهود والنصارى ، فإن اليهود قالت : ليست النصارى على شيء ، وصدقوا ، ودخلوا النار . وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء ، وصدقوا ، ودخلوا النار .
وهذا يذكرونه عن أبي يزيد البسطامي الصوفي في الحكاية المشهورة التي فيها أن بعض النصارى سأله هذا السؤال فأجاب بذلك ، واحتج بقول الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) البقرة /113.
ولقائل أن يقول : الكفار الذين قال الله فيهم : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزمر / 38 ، وقال : ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) المؤمنون / 88 ، 89 .
ومثل هذا كثير ، فقد يصدق بعض الكفار في أشياء قالوها ، ولكنهم دخلوا النار بسبب كفرهم، لا بسبب صدقهم .
وعلى كل حال : فلا ينبغي إطلاق مثل هذه العبارة ، لأنها قد يفهم منها بعض الناس أن هؤلاء دخلوا النار بسبب صدقهم ، وهذا باطل بلا شك ، قال الله تعالى : ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) المائدة / 119