الحمد لله.
روى الترمذي (2167) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ). وحسنه الألباني.
والمقصود من هذا الحديث أن الله عصم علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الاجتماع على أمر باطل .
وهذه العصمة إنما هي لجميع علماء الأمة في أي عصر من العصور ، وأما اتفاق بعضهم أو أكثرهم على أمر ما فليس بمعصوم من الخطأ .
وكذلك اتفاق عوام الناس على أمر من الأمور ليس دليلا على أحقيته ؛ لأن العبرة بأهل العلم ، لا العامة والجهلاء .
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي في سننه : " وَتَفْسِيرُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ : هُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ ".
قال الملا علي القاري : " الحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق ، والمراد إجماع العلماء ، ولا عبرة بإجماع العوام ؛ لأنه لا يكون عن علم ". انتهى "مرقاة المفاتيح" (2 / 61)
وقال الشاطبي : " ولا خلاف أنه لا اعتبار بإجماع العوام". انتهى "الاعتصام" (1 / 354)
ووجود أتباع كثيرين لأحد الجماعات أو الفرق أو الطوائف ليس دليلاً على أنهم على حق ، فالنصارى أكثر عدداً من المسلمين ، وأهل البدع والضلال أكثر من أهل السنة في بعض البلاد ، فهل يعني ذلك أنهم على الحق!! .
قال أبو شامة المقدسي رحمه الله تعالى : " حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعة ، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً ؛ لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم ". انتهى "الباعث على إنكار البدع والحوادث" صـ 22.
ومن سنن الله في خلقه : أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل ، قال تعالى : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ). [يوسف : 103]
وقال : ( إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) [هود : 17]
وقال: ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ).
قال الشيخ السعدي : " ودلت هذه الآية ، على أنه لا يستدل على الحق بكثرة أهله ، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق ، بل الواقع بخلاف ذلك ، فإن أهل الحق هم الأقلون عدداً ، الأعظمون عند الله قدراً وأجراً ، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل ، بالطرق الموصلة إليه ". انتهى "تفسير السعدي" (1 / 270).
فالحق والصواب يعرف بموافقة كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وما أجمع عليه سلف هذه الأمة ، لا بكثرة العدد.
قال الفُضيل بن عِياض رحمه الله : " الزمْ طريقَ الهدَى ، ولا يضرُّكَ قلَّةُ السالكين ، وإياك وطرقَ الضلالة ، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين ". انتهى وينظر: "الأذكار" للنووي صـ221، "الاعتصام "للشاطبى (1 / 83).
وللوقوف على الكلام حول " جماعة التبليغ " ينظر جواب السؤال (8674 ) ، (14037) ، (39349).
والله أعلم .