الحمد لله.
أولا :
لا شك أن الصلاة كانت مفروضة على أنبياء الله صلى الله عليهم وسلم من قبل ، وهو ما أخبر الله تعالى به عنهم في كتابه ، فقال سبحانه عن خليله إبراهيم عليه السلام :
( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ) إبراهيم / 37
وقال عز وجل : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) إبراهيم / 40
وقال تعالى عن موسى وهارون عليهما السلام : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس / 87
وقال عن عيسى عليه السلام : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) مريم / 31
وقال عن زكريا عليه السلام : ( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ) .
آل عمران / 39
وقال عن سائر أنبيائه صلى الله عليهم وسلم :
( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) مريم/58
ثم قال : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/ 59 – 60
بل في صحيح مسلم (2375) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ).
ثانيا :
الذي يظهر من النصوص الواردة أنها كانت صلاة تشبه صلاتنا من حيث الجملة ، وإن كنا نجهل تفاصيل ذلك ، وإلى أي مدى كانت هذه المشابهة .
قال الله تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) البقرة / 125
وقال تعالى : ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) آل عمران / 43
فكانت صلاة ذات ركوع وسجود .
وقال تعالى عن داود عليه السلام : ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ )
ص / 18 .
فروى الطبري في "التفسير" (21/168) والبغوي في "التفسير" (7/76) وابن راهويه في "مسنده" (2116) وابن شاهين في "الترغيب" (130) من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لقد قرأت ما بين اللوحين ، ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن ( يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ ) وكنت أقول : أين صلاة الإشراق ؟ ثم قال بعدُ : هنّ صلاة الإشراق " .
وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (11485) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنا معاشر الأنبياء أُمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) .
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2286) .
وروى البخاري (3124) ومسلم (1747) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ : لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ ، وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا ، وَلَا آخَرُ قَدْ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا . قَالَ فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ... ) وساق الحديث .
وفي رواية البيهقي (13083) وابن حبان في "صحيحه" (4808) والبغوي في "شرح السنة" (5/356) : ( فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ) .
وروى مسلم (172) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ ... وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ : يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ ) .
وعند ابن ماجة (420) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَقَالَ : ( هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْمُرْسَلِينَ مِنْ قَبْلِي ) .
على أن الذي ينبغي عليك حقا ، أيها السائل ، أن تتعلم على وجه التفصيل ، كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو الذي ينفعك في دينك ، لأنك مأمور بمثل هذه الصلاة ، وأما صلاة الأنبياء السابقين ، فلا يترتب على معرفة صفتها عمل تعمله ، ولا يضيع منك عمل ولا أجر إذا جهلت ذلك .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
كيف كانت صلاة الأنبياء قبل الإسلام ؟
فأجاب : " صلاة الأنبياء الله أعلم بها ، نحن مأمورون بالصلاة التي أمرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلينا أن نصلي كما صلى عليه الصلاة والسلام ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (29 / 237)
يراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (144462) .
والله تعالى أعلم .