الحمد لله.
أولاً:
مسائل الشرع في ديننا لا تثبت إلا بالقرآن والسنَّة ، وقد كمل الدين وتمت النعمة ، قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) المائدة/ 3 ، وليس هناك باب في الشرع يحتاج لاستدلال من خارج الوحيين ، فلا مصدر نثبت به شيئاً من الشرع - ولو مسألة واحدة - من غير القرآن والسنَّة ، وهما المصدران اللذان أُمرنا باتباعهما لا غير ، وجاء الوعيد في مخالفة ما فيهما من أوامر ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) النساء/ 59 ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا ) الأحزاب/ 36 .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
" أصل جامع "
في الاعتصام بكتاب الله ، ووجوب اتباعه ، وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس من دينهم ، وأن النجاة والسعادة في اتباعه ، والشقاء في مخالفته ، وما دل عليه من اتباع السنَّة والجماعة .
" مجموع الفتاوى " ( 19 / 76 ) .
وقال – رحمه الله - :
فصل :
في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن جميع الدين أصوله وفروعه ؛ باطنه وظاهره ، علمه وعمله ، فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان ، وكل من كان أعظم اعتصاماً بهذا الأصل : كان أولى بالحق علماً وعملاً .
" مجموع الفتاوى " ( 19 / 155 ، 156 ) .
ثانياً:
ولا يشك مسلم أن التوراة والإنجيل قد أصابهما التحريف في الألفاظ والمعاني ، وهي كتب لأديان سماوية في أصلها ، وقد استغنى المسلمون بما عندهم من القرآن والسنَّة عنهما وعن غيرهما من الكتب والأديان قبل الإسلام والقرآن ، قال تعالى ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) العنكبوت/ 51 .
قال علماء اللجنة الدائمة :
الكتب السماوية السابقة وقع فيها كثير من التحريف والزيادة والنقص كما ذكر الله ذلك ، فلا يجوز للمسلم أن يقدم على قراءتها والاطلاع عليها إلا إذا كان من الراسخين في العلم ويريد بيان ما ورد فيها من التحريفات والتضارب بينها .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة "( 3 / 433 ، 434 ) .
فإذا كان هذا هو حال تلك الكتب ، وذاك هو حكم النظر فيها والاطلاع عليها : فكيف يمكن لمسلم أن يتطلع للاستفادة من كتب لأديان أرضية كالهندوسية وغيرها ؟! .
ثالثاً:
ثمة أمر مهم نختم به التعليق على السؤال وهو أنه لا مانع من أن ينظر العالِم في كتب الأديان المحرَّفة والمذاهب الباطلة لأمور :
1. ليثبت تناقضهم فيرد عليهم بها .
2. كما لا مانع من الاستفادة منها في الرد على أهلها بما في كتبهم وكلامهم ، أو مخالفين آخرين للشرع المطهَّر يقنعون بمثل كلام هؤلاء .
رابعاً:
كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " فيه نقض للتثليث وبين لتناقض كتبهم وإثبات لتحريفه ، ولم يكن مقصوده به أن يستدل بما في كتب النصارى لإثبات مسائل في الشرع عندنا ، فإن اتفق ورأى أمرا من ذلك موافقا لما عندنا : بينه ، حجة على أهله ، على أن يكون الأصل هو ما في ديننا وكتبنا ، وهو الحاكم والمهيمن على ما عداه .
وقد احتوى كتابه على مسائل جليلة متنوعة ، وعلى علوم مختلفة نافعة ، ومنها :
1. مسائل في العقيدة وتوحيد الألوهية والأسماء والصفات .
2. فيه رد على تعظيم الموتى وبيان لبدع القبور ، وفي ثنايا ذلك ردَّ على الرافضة والصوفية القبورية .
3. فيه إثبات النبوة ، وبيان آيات الأنبياء ، مما يطلق عليه " دلائل النبوة " .
4. وفيه نُبَذ ومسائل من علم التفسير والحديث علم النفس والاجتماع ، وفيه بيان لمسائل فقهية دقيقة .
وكل ما سبق – وغيره كثير – لم يكن مؤثراً في المسائل التي وُضع الكتاب من أجلها ، وهو نقض دين النصارى ، وبيان تناقضه ، وإثبات تحريف كتابهم .
فكتاب " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " روضة غنَّاء وبستان زاهر فيه من العلم والفائدة ما يستحق أن يُقرأ ويُترجم .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 128850 ) .
والله أعلم