الحمد لله.
تواترت النصوص الشرعية في النهي عن الكذب وبيان سوء عاقبته في الدنيا والآخرة ،
وكونه يهدي إلى الفجور ، وكونه من صفات المنافقين .
وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " لا يصلح شيء من الكذب في جد ، ولا هزل "
انتهى من " المطالب العالية " (7/493) .
وروى البخاري في " الأدب المفرد " (857) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : " إن
في المعاريض لمندوحة عن الكذب " ، وصححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد " .
يعني أنَّ في التعريض بالقول من الاتَّساع ما يُغني الرجلَ عن تَعمُّد الكذب .
ومن أذنب ذنبا وستره الله عليه ، لم يجز له التحدث به وكشف ستر الله ؛ لما رواه
البخاري (6069) ، ومسلم (2990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي
مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ
الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَيَقُولَ : يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا . وَقَدْ بَاتَ
يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) .
والمجاهر هو الذي أظهر معصيته ، وكشف ما ستر الله عليه .
وإنما الواجب أن يتستر المذنب بستر الله السابغ على عباده ؛ فإن من ستره الله في
الدنيا ولم يفضحه ، ستره في الآخرة .
لكن ذلك لا يعني ترك الاستغفار والتوبة من الذنب ، بل عليه المبادرة بالتوبة
والرجوع إلى الله ، وهو مع ذلك يستر على نفسه ، ولا يكشف حاله .
فمن ارتكب إثما فيما بينه وبين الله فليبادر بالتوبة ، وليستر على نفسه ، ولا
يتحدث به ، وإذا سأله سائل عنه فلا يذكر له وقوعه فيه ، كما أن عليه أن لا يكذب ،
فإن أُحيط به وَرّى ، واستخدم المعاريض ، كأن يقول : وهل تُصدق أني أفعل مثل هذا ؟
يوهم أنه لم يفعله .
أو يقول : إنما يفعل هذا الجهال ، يقصد أنه كان جاهلا وقت فعله ثم تاب منه ، ونحو
ذلك .
وله أن يتأول في الكلام ، كأن يقول : لم أفعله ، ويقصد لم يفعله اليوم ، ونحو ذلك .
وباب المعاريض واسع جدا ، ولا بأس من استعمال المعاريض والتأويل عند الحاجة إليها ؛
خشية الوقوع في الكذب .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (83093) ، (105477) .
والله أعلم .