هل يشترط في ركعتي الوضوء أن تعقب الوضوء مباشرة؟ يعني مثلا لو توضأ المرء ثم صلى الظهر وأراد أن يصلي ركعتي الراتبة وجمع نية ركعتي الوضوء مع الراتبة ، هل يصح ؟ أم أن ركعتي الوضوء لا تصح إلا بعد الوضوء مباشرة (أي قبل صلاة الظهر)؟.
الحمد لله.
يستحب لمن توضأ أن يصلي رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنَ الْوُضُوءِ ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِل بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه مسلم (234) .
وروى البخاري (160) ومسلم (226) عن عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء " انتهى .
والمشروع أن تؤدى عقب الوضوء مباشرة .
قال النووي رحمه الله :
" يستحب ركعتان عقب الوضوء للأحاديث الصحيحة فيها " انتهى .
"المجموع شرح المهذب" (3 /545)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَلَوْ كَانَ وَقْتَ النَّهْيِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ " انتهى .
"الفتاوى الكبرى" (5 / 345).
وقال زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/44) :
"وَنُدِبَ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِيبَ وُضُوئِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ " انتهى .
وقال التناري الشافعي في "نهاية الزين" (ص 104) :
" ومنه صلاة سنة الوضوء عقب الفراغ منه وقبل طول الفصل والإعراض ، وتحصل بما تحصل به تحية المسجد ؛ فلو أتى بصلاة غيرها عقب الوضوء من فرض أو نفل ففيها ما تقدم في تحية المسجد من جهة حصول الثواب وسقوط الطلب " انتهى .
فقولهم : " عقب الوضوء " و "عقيب الوضوء " وقبل طول الفصل " دليل على أنهما تؤديان بعد الفراغ من الوضوء مباشرة .
ولا بأس أن يجمع بين سنة الوضوء وصلاة الفريضة ، أو السنة الراتبة ؛ لأن الأعمال بالنيات ، ولأن ركعتي الوضوء ليستا مقصودتين لذاتهما ، فصح أن يُدخلهما في غيرهما بالنية .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" إذا توضأ المسلم ودخل المسجد بعد أذان الظهر وصلى ركعتين ناويا بهما تحية المسجد وسنة الوضوء وسنة الظهر أجزأه ذلك عن الثلاث ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) إلا أنه يسن له أن يصلي ركعتين أخريين إتماماً لسنة الظهر الراتبة القبلية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على صلاة أربع ركعات قبل الظهر " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 248-249) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل السنن تتداخل في بعضها ؟ مثل مَن أراد سنة الوضوء فإنه يدخلها في سنة الضحى .
فأجاب : " نعم ، يصح ذلك ؛ لأن بعض السنن تكون مقصودة بذاتها ، فهذه لا تتداخل ، وبعض السنن يكون المقصود منها تحصيل الصلاة فقط ، فمثلاً : سنة الوضوء المقصود بها أن تصلي ركعتين بعد الوضوء ؛ سواء سنة الوضوء أو ركعتي الضحى أو راتبة الظهر أو راتبة الفجر أو السنة التي تكون بين الأذان والإقامة ؛ لأن بين كل أذانين صلاة ، وكذلك تحية المسجد يجوز إذا دخلتَ المسجد أن تصلي بنية الراتبة وتغني عن تحية المسجد .
أما إذا كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تتداخل ، ولهذا لو قال قائل : سأجعل راتبة الظهر الأولى - التي هي أربع ركعات - ركعتين وأنويها عن الأربع ، نقول له : لا يصلح ، لماذا ؟ لأن السنة هنا مقصودة بذاتها ، بمعنى أن تصلي ركعتين ثم ركعتين " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (25 / 20) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين - أيضاً - رحمه الله :
هل يصح صلاة سنة الوضوء مع سنة الظهر القبلية أو سنة المغرب مثلاً ؟
فأجاب : " سنة الوضوء أن الإنسان إذا توضأ وأسبغ الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه . فإذا صادف أن تكون راتبة الظهر بعد الوضوء وصلى الراتبة ولم يحدث فيهما نفسه فإنه يرجى أن يكون داخلاً في الحديث .
أما راتبة المغرب فتصويرها بعيد ، إلا إذا قلنا إنه بعد أن صلى المغرب أحدث ثم ذهب وتوضأ ثم صلى ركعتي المغرب ، فهذه يمكن ، وإلا فالغالب أن ركعتي المغرب تكون بعد صلاة المغرب ، ويكون الإنسان متطهراً " انتهى .
والخلاصة :
أن ركعتي الوضوء ينبغي أن تكونا عقب الوضوء مباشرة ، فإن تأخرت عن الوضوء بوقت طويل ، ـ كالوقت الذي يصلي فيه الفريضة ـ فقد فات وقتها .
والله تعالى أعلم