يلح علي أخ أن أشجعه على دخول مجال العلاج بالرقية الشرعية من المس والسحر، ويقول لي إننا مقصرون لترك هذا المجال في بلدنا لأهل بدعة أو مقصرين في الالتزام بالسنة، وأنا متردد كثيرا في الإقدام على هذا الأمر لهذه الأسباب:
1- إنني أشعر بتقصير شديد من قبلي في فعل الطاعات وترك المعاصي، وأخشى أن يكون ذلك سببا في تسلط الجن علي وإيذائي.
2- ليس لدينا الخبرة الكافية في هذا المجال.
3- أجهل ما يكون مصير المقربين مني إن دخلت هذا المجال، وهل يستطيع الجن إيذاءهم هم أيضا؟
فهل أوافقه مستعينا بالله، ونذهب إلى أهل العلم لنتعلم هذا الأمر، أم الانشغال بغير ذلك أفضل؟
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله.
القراءة على الناس والمعالجة بالرقية الشرعية عمل صالح نافع ؛ لما فيه من الإحسان
إلى الخلق والرحمة بهم ، وتقديم العون لهم ، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الرقية:
( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ) رواه مسلم
(4076).
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً
مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ
أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ
بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ
اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ
عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ
وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ
بِهِ نَسَبُهُ ) رواه مسلم (2699).
لكن لا
ينبغي أن يشتغل الإنسان بذلك عما هو أنفع وأوجب ، كطلب العلم الشرعي ، والدعوة إلى
الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتعليم الناس العلم ، وإقراء
القرآن ، والقيام على الأهل ، وتربية الأبناء ، وإصلاح نفسه ظاهرا وباطنا .
وإذا كان الشاب في مقتبل العمر ، فليحرص على تحصيل العلم النافع ، وتربية النفس ،
واستكمال الفضائل ، فهذا خير له وأنفع من الدخول في مجال المعالجة بالرقية ، فإذا
حصّل من ذلك قدرا نافعا ، وعفّ نفسه وأحصن فرجه بالزواج ، ولم يوجد من يقوم بأمر
المعالجة ، فليحتسب الأجر ، وليشارك في ذلك بما لا يشغله عن الأهم .
وإنما جاء التأكيد على ما سبق ، لأن من عُرف بهذه المعالجة ، ودخل في هذا المجال ،
قلما يترك الناس له وقتا ، والغالب أن ذلك يشغله عن كثير مما هو أنفع وأكمل . وإذا
لم يكن محصّنا بالعلم النافع ، والتربية النفسية والخلقية ، كان عرضة للانحراف
والوقوع في البدعة أو المعصية أو الفتنة بالمال أو النساء أو بإقبال الناس عليه
والتفاتهم إليه ، وكم جر ذلك على أهله من البلاء .
وليتأمل المرء حال من عرف من السلف بشيء من هذه المعالجة ، كالإمام أحمد رحمه الله
، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فإنهما يُذكران أول ما يذكران بالعلم ،
والصلاح ، والتقوى ، والقيام بأمر المسلمين ، ومن ذلك الرقية أحيانا ، وهذا من
الفقه في الدين ، ومعرفة مراتب الأعمال ، والحذر مما يشغل عن الكمالات .
فالنصيحة
لك ولصاحبك أن تقبلا على تعلّم العلم ، وتحصيل الفضائل ، والانشغال بالدعوة إلى
الله تعالى ، وترك هذا المجال لمن لا قدرة لديه على زيادة التحصيل ، ونفع الناس
بالتعليم ، وفي أهل الخير والاستقامة من يقوم بذلك ، والحمد لله ، وكل ميسر لما خلق
له .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .