الحمد لله.
لكن استثني من ذلك : الهبة
التي يريد صاحبها عوضا ، لأنها ليست تبرعا محضا ، فإذا لم يحصل له عوضه - من جهة
الموهوب له - ، جاز له الرجوع في هبته .
ثانيًا :
ما يقدمه الخاطب لمخطوبته قبل العقد ، قد يكون جزءا من المهر ، وقد يكون هدية من
الهدايا ، ويعرف ذلك بالتصريح ، أو بالعرف ، فالشبكة في بعض البلدان تكون جزءا من
المهر ، ولهذا قد يقدم الخاطب قبلها خاتما أو شيئا يسيرا من الذهب هدية للمخطوبة .
وبناء على هذا التفصيل ينبني الحكم :
1- فإن كانت الشبكة جزءا من المهر ، وعُلم ذلك ، بالتصريح ، أو بجريان العرف في
بلدك ، فإن الشبكة تعود للخاطب عند فسخ الخطبة ، سواء تم الفسخ من جهته أو جهتك ؛
لأن المهر لا يُستحق شيء منه إلا بالعقد ، وإذا دُفع إلى المخطوبة كان أمانة في
يدها حتى يتم العقد .
2- وإن كانت الشبكة هدية من الهدايا ، ففي حكمها خلاف ، والراجح : أن الفسخ إن جاء
من الخاطب ، فليس له الرجوع والمطالبة بهداياه ، وإن كان الفسخ من المخطوبة ، فله
المطالبة بذلك ، لأن هديته ليست هبة محضة ، وإنما هي هبة يراد منها العوض ، وهو
التزويج ، فإذا لم يزوجوه جاز له الرجوع في الهبة . وإلى هذا ذهب المالكية في قول ،
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعزاه إلى أحمد رحمه الله .
وذهب الحنفية والمالكية في القول الآخر ، والشافعية ، إلى أن للخاطب أن يسترد هديته
، إذا كانت باقية بعينها ، سواء كان الفسخ من جهة الخاطب أو من جهة المخطوبة ،
واختلفوا فيما إذا هلكت أو تلفت .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وقد كتبت عن الإمام أحمد فيما إذا أهدى لها هدية بعد
العقد ، فإنها ترد ذلك إليه إذا زال العقد الفاسد ؛ فهذا يقتضي أن ما وهبه لها ،
سببه النكاح ؛ فإنه يبطل إذا زال النكاح ، وهو خلاف ما ذكره أبو محمد وغيره . وهذا
المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة ، وهو أن كل من أهدي ، أو وهب
له شيء بسبب : يثبت بثبوته ويزول بزواله ...
ولو كانت الهدية قبل العقد ، وقد وعدوه بالنكاح ، فزوجوا غيره : رجع بها . والنقد
المقدم محسوب من الصداق ، وإن لم يكتب في الصداق ، إذا تواطئوا عليه ، ويطالب بنصفه
عند الفرقة قبل الدخول ؛ لأنه كالشرط المقدم ، إلا أن يُفتَوا بخلاف ذلك " انتهى من
"الاختيارت الفقهية" ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 472).
وقال البهوتي في "شرح منتهى
الإرادات" (3/ 24) (حنبلي) : " ( وهدية زوجٍ ليست من المهر ) نصا ( فما ) أهداه زوج
( قبل عقد : إن وعدوه ) بأن يزوجوه ( ولم يفوا ) بأن يزوجوها غيره ( رجع بها ) قاله
الشيخ تقي الدين . فإن كان الإعراض منه ، أو ماتت فلا رجوع له " انتهى .
وقال الدردير في "الشرح
الصغير" (2/ 348) (مالكي) : " وكذا لو أهدى أو أنفق لمخطوبة غير معتدة , ثم رجعت
عنه , ولو كان الرجوع من جهتها ، إلا لعرف أو شرط .
وقيل : إن كان الرجوع من جهتها فله الرجوع عليها , لأنه في نظير شيء لم يتم ,
واستُظهر ".
قال الصاوي في حاشيته عليه : " قوله : ( واستظهر ) : أي استظهر هذا التفصيلَ الشمسُ
اللقاني " انتهى .
وقال في "الدر المختار"
(حنفي) : " ( خطب بنت رجل ، وبعث إليها أشياء ، ولم يزوجها أبوها ؛ فما بعث للمهر
يسترد عينه قائما ) فقط ، وإن تغير بالاستعمال ، ( أو قيمته هالكا ) لأنه معاوضة
ولم تتم ، فجاز الاسترداد ( وكذا ) يسترد ( ما بعث هدية وهو قائم دون الهالك
والمستهلك ) لأنه في معنى الهبة " انتهى من "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (3/
153).
وقال في "تحفة المحتاج" (7/
421) (شافعي) : " ( فرع ) خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد ،
أي ولم يقصد التبرع ، ثم وقع الإعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه ... لأنه ساقه
بناء على إنكاحه ولم يحصل " انتهى .
والله أعلم .