أنا سيدة مسيحية ، ولاتقولوا إن المسيحيين كفار لأني أنا أحس نفسي أفضل من آلاف من المسلمين الذين يتنصبون بالدين الإسلامي ويعلقون أغلب أغلاطهم ومتحججين بالدِّين !
علماً أن زوجي مسلم ولي أربعة أولاد مسلمين ربَّيتهم على الفضيلة وخوف رب العالمين منهم بنتان شابتان ومحجبتان ، ولي ولدان أصغر منهما أتقياء يحترمون كل الشعائر والطقوس الدينيه للمسلم والمسيحي ! علما أن لي زوجاً لا يخاف الله ، يسب ويشتم كل الأنبياء والأديان ، عيشتي معه جحيم ، له زوجة - ابنة خالته - تعمل السحر ، وخربت بيتي ، وتؤمن بالشر والتعويذه ، وتُهجِّم على بيتي بسببها ، وليس عندها ذرية ، تشبهه في جميع النواحي : من الكذب والرياء ، منافقة وتدعي بالدين لكن لا تملك أي نقطة في بحر الدين من مودة ورحمة ، جاءت إلى أوربا ، أمرها أن تنزع الحجاب لغرض أن يدخلها على الملاهي والأماكن الجنسية ، كرهتُها وكرهت كل مسلم متلون ، الآن أنا في مشاكل مع زوجي باستمرار ، ورمى عليَّ يمين الطلاق ، وهو لايريدني ، لكن أريد أن يحررني ، فهو محتفظ بي لغرض الخدمة وتربية أطفالي .
السؤال هو : 20 مرة رمى يمين الطلاق عليَّ هل أنا محرَّمه عليه ؟ وهو مقاطعني فترة 5 أشهر ، بعيد عني بالفراش والمأكل والمعيشة ، ماذا أفعل ؟ أغيثوني الله يرضى عليكم ، علماً أني على ديني ، وهو على مذهب الحنفي ! .
الحمد لله.
نحن نقدِّر ما تعانين منه من ذلك الزوج الظالم لك المقصِّر في أداء حقوقه تجاهك ،
وفي الوقت نفسه نود تنبيهك على بعض التنبيهات – وفيها الإجابة على أسئلتك - :
1. قولك لنا " لا تقولوا إن المسيحيين كفار " : هذا أمره ليس لنا ، ولسنا نحن الذين
كفَّرنا اليهود والنصارى والمجوس والصابئة ، بل الله تعالى هو الذي حكم بكفر أولئك
، وهو الذي أخبر بأنه لا يقبل غير الإسلام ديناً بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم
؛ لأنه رسول إلى أهل الأرض جميعاً ، قال تعالى ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ
دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران/
85 ، وقال تعالى ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ
ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أَفَلاَ
يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . مَّا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ
وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ
لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) المائدة/ 73 – 75 .
واعذرينا ـ يا أمة الله ـ إذا كنا قلنا كلاما لا تحبين سماعه ، ونؤكد لك أنه لم يكن
من شأننا وأنت تسألينا وتبثين لنا شكواك أن نقول لك : إنك كافرة ، أو غير ذلك ؛ فإن
هذا لا علاقة له بالحكم بين الخصوم ، ولا بيان حكم الله فيما سألت عنه ؛ قال الله
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8 .
2. نحن لا ننكر أن يوجد من غير المسلمين من هو أحسن خلقاً من كثير المسلمين ، لكن
لن يكون خيراً منهم ديناً ! ونحن كما ندعو المسلمين أصحاب الظلم والشرور أن
يحسِّنوا أخلاقهم لينفذوا ما أمرهم الله تعالى به : ندعو كذلك أصحاب الأخلاق الحسنة
أن يكمِّلوا ذلك بتحسين دينهم .
واعلمي أن أصحاب الأخلاق الجميلة من أولئك الناس غير المسلمين للأسف لم تكن أخلاقهم
كذلك مع رب النَّاس ! لأنهم يسبُّون الله تعالى في الحقيقة حينما يدَّعون له الولد
! أو أنه ثمة إله معه تعالى عما يقولون علوّاً كبيراً ، فمن قال إن عيسى هو الله أو
ابن الله فهو ساب وشاتم لله تعالى أعظم السب والشتم ، وماذا تنفعه أخلاقه الجميلة
مع الخلق في الوقت الذي يسيء إلى رب الخلق جميعاً ؟! .
لذا فإننا ندعوكِ – صادقين – أن تعيدي النظر في عقيدتك وأن تعلني التوحيد والشهادة
لله تعالى وحده بأنه الرب الإله لا إله ولا رب سواه ، والشهادة لمحمد صلى الله عليه
وسلم بالرسالة ، وبذلك تكونين جمعتِ بين الخيرين .
3. ما تعانين منه من ظلم زوجك له ليس لأنه مسلم ! لأن الإسلام يأمر المسلمين بإحسان
العشرة لزوجاتهم ، وليس لأنك غير مسلمة لأن الإسلام لم يفرِّق في ذلك الإحسان
الواجب في عشرة الزوجة بين المسلمة والكتابية ، بل لعلَّ الإحسان للكتابية أن يكون
الحث عليه أولى ؛ لبيان أخلاق الإسلام لهنَّ فلعلَّ الله تعالى أن ينقذها من النار
بسببه .
فما تعانين منه إنما سببه بُعد زوجك عن دينه ، فالرجل متى كان متمسكاً بدينه ، حسنت
أخلاقه وأعطى كل ذي حقٍّ حقَّه ، فليته كان مطبِّقاً لإسلامه إذن لرأيتِ ما يسرك من
حسن المعاملة ومن الرحمة والمودة .
4. ما تعانين منه من زوجك من ظلم وبؤس تعاني منه زوجات مسلمات أيضاً من أزواجهم
المسلمين! وتعاني منه زوجات نصرانيات ، أو من أية ملة كُنَّ ، من أزواج يوافقونهن
في نفس الدين ؛ فالقضية إذا ليست في أن أخلاق المسلمين هكذا ، ولا في أن الإسلام
يقبل مثل ذلك الظلم والعدوان ، بل هي في الخلل في إسلام ذلك الشخص ، والتزامه بدينه
، وربما كان ذلك الخلل ضاربا بجذوره عند الرجل ، حتى كان خللا في أصل إيمانه ، نسأل
الله العافية .
5. إذا ثبت سبُّ زوجكِ للأنبياء وسبِّه لدين الإسلام : فهو مرتد ، وهذا الذي قلناه
لك من أن كثيرا من الناس يكون الخلل في أصل إيمانه ، ودخوله في نطاق المسلمين ،
نسأل الله السلامة ؛ وحينئذ يكون نكاحه مفسوخا ، بغض النظر عن أيمان الطلاق التي
أوقعها عليك ؛ فإن وقوعه في الردة يوجب فسخ نكاحه ، سواء كانت زوجته مسلمة أو
كتابية ، وليقرأ ما قاله علماء الحنفية الذين ينتسب لمذهبهم كذباً وزوراً .
قال الإمام السرخسي الحنفي رحمه الله :
" وإذا ارتدَّ المسلم : بانت منه امرأته ، مسلمة كانت أو كتابية ، دخل بها أو لم
يدخل بها ، عندنا " انتهى من "المبسوط" (5/49) .
ولا يحتاج هذا الحكم – في الأصل – لقضاء ، وتستحقين مهركِ كاملاً .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 22 / 198 ) :
" قال الحنفية : إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين : بانت منه امرأته ، مسلمة كانت أو
كتابية ، دخل بها أو لم يدخل ؛ لأن الردة تنافي النكاح ، ويكون ذلك فسخاً عاجلاً لا
طلاقاً ، ولا يتوقف على قضاء .
وإن كان – أي : الردة - بعد الدخول : فلها المهر كله " انتهى مختصراً .
6. وأما إذا كان الحال كما ذكرت من أنه طلقك عشرين مرة
، فهذا دليل آخر على أن هذا الرجل لا يبالي بدينه شيئا ، ولا حرمة لأحكام إسلامه
عنده ، فقد كان يكفيه ثلاث مرات ، لتكوني محرمة عليه ، وبقاؤك معه بعد ذلك ، بل قبل
ذلك ، بمجرد ردته ، أو طلاقه لك ثلاثا ، محرم عليكما ، فعليك تخليص نفسك بما
تستطيعنه من طرق ، إما برفع أمره لقاض شرعي ، أو مركز إسلامي ، أو غير ذلك من
الهيئات الإسلامية ، فإن لم يتيسر ذلك فافعلي ذلك أمام المحاكم القانونية .
والمهم أن تعلمي أن الإسلام ليس هو السبب في سوء معاملته لك ، وأن الإسلام قد
أنصفكِ ، وها هو يحكم عليه بالردة ، ويوجب فسخ نكاحك ويفك قيدك ، وها هو يوجب عليه
المهر كاملاً يدفعه لك .
وتأملي ـ يا أمة الله ـ هذا الموقف الذي نقصه عليك :
لقد كان بين نبي الله صلى الله عليه وسلم ويهود خيبر معاملة ، يحق له ـ بموجبها ـ
نصف غلة الزرع وما يخرج من أرض خيبر ؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ يَأْتِيهِمْ فِى
كُلِّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ـ يعني : يقدر كمية الزروع والثمار التي
تحصلت لهم ـ ثُمَّ يُضَمِّنُهُمُ الشَّطْرَ ـ يعني : يلزمهم ، ويحكم عليهم به ـ
فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى عَامٍ شِدَّةَ خَرْصِهِ
، وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ !!
فَقَالَ عبد الله بن رواحة : يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ ؛ تُطْعِمُونِى السُّحْتَ ؟!
وَلَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ ـ يعني : النبي صلى الله
عليه وسلم ـ ، وَلأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَىَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ
وَالْخَنَازِيرِ ؛ وَلاَ يَحْمِلُنِى بَغُضِى إِيَّاكُمْ ، وَحُبِّى إِيَّاهُ ،
عَلَى أَنْ لاَ أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ !!
فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ !!
رواه ابن حبان (11/607) والبيهقي (6/114) وإسناده صحيح .
نسأل الله أن يهدي قلبك لما يحبه ويرضاه ، ويشرح صدرك بنور الإسلام ، ويفرج كربك ،
ويذهب عنك الأذى .
والله أعلم