بحمد الله قمنا نحن مجموعة من الشباب بمنطقتنا بتكوين جمعية خيرية سميناها ( صناع المستقبل )، فاعترض علينا بعض الناس في هذا الاسم ، وقالوا : إن هذا الاسم لا يجوز تسمية الجمعية به ، وكذلك اسم ( صناع الحياة ). فنرجو من فضيلتكم أن تفتونا في ذلك . وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله.
لعل السائل يرد عليه في هذه الأسماء - " صناع المستقبل "، و " صناع الحياة " - إشكالان اثنان :
الإشكال الأول : تسمية المخلوقين بـ " الصناع " مع أن الله عز وجل هو الخالق المتفرد في هذا الكون .
ولكن الصواب أن هذا الإشكال في غير محله ، لأن كثيرا من صفات الله وأفعاله جاء إطلاقها في الكتاب والسنة أيضا على المخلوق ، كالسمع والبصر والعلم ، وإنما ينسب إلى الله عز وجل من هذه الصفات ما يناسب كماله عز وجل ، وينسب إلى المخلوق منها ما يناسب نقصه وعجزه ، فسمع المخلوق كَلِيلٌ محدود ، وسمع الله عز وجل وسع الأصوات كلها .
وهكذا أيضا فعل " الصناعة "، أطلق في القرآن الكريم على الرب سبحانه وتعالى ، وهي الصناعة الكاملة المتقنة بكمال الإتقان ، تناسب عظمة الرب عز وجل وقدرته ، فإذا نسب هذا الفعل إلى المخلوق فالمراد " الصناعة " التي تناسب عجز المخلوق وفقره وضعفه ، ليس فيها خلق من عدم ، ولا خروج عن السنن الكونية ، وإنما تشتمل على شيء من التحويل والتغيير في نظام قوانين الكون .
يدل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ )
رواه البخاري في " خلق أفعال العباد " (رقم/102) وغيره ، وصححه ابن حجر في " فتح الباري " (13/507)، والألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/1637)
فتأمل كيف نسب إلى المخلوق فعل " الصنع " فقال : ( كل صانع وصنعته )، ولأنه صنع المخلوق فهو صنع محدود ، أما الخالق عز وجل فهو الصانع الحقيقي الذي خلق الخلق من العدم ، وخلق العباد وأفعالهم ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات/96.
الإشكال الثاني : إضافة " الصناعة " إلى المستقبل ، وإلى الحياة ، وهما من تقدير الله عز وجل وليس من تقدير البشر .
ولكن لعل الأولى أن لا تعامل الكلمة بهذا التصور ، بل بأن يقال : إن أفعال المخلوق جزء من أقدار الله عز وجل ، والمخلوق إنما يتخذ الأسباب التي من خلالها يصل إلى المسببات المقدرة ، ويصل إلى المستقبل الذي جرت سنة الله عز وجل بصياغته على هذه السوية التابعة للأسباب ، فالمسلم الذي يريد أن يكون مستقبله – مثلا – مليئا بالنجاح في مجال العلم والتعليم لا بد أن يتخذ أسباب الدراسة والتحصيل كي يصنع هذا المستقبل ، فهي صناعة محدودة في إطار الأسباب التي أمر الله عز وجل بها أو خلقها في هذا الكون ، ولا يراد بصناعة المستقبل التقدير المطلق والخلق من العدم الذي تفرد الله عز وجل به ، وإنما يراد به اتخاذ الأسباب الموصلة – بحكم الشرع والقدر – إلى ذلك المستقبل المعين .
وينظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (2/458) .
وطريق الهجرتين لابن القيم (38) .
والحاصل أنه لا يظهر لنا حرج في تسمية الجمعية بـ " صناع المستقبل "، أو " صناع الحياة "، ولا يبدو أن فيه هذا الاسم تعديا على حقوق الربوبية لله عز وجل ، ولا شبهة التعدي .
والله أعلم .