الحمد لله.
قال النووي رحمه الله : "واعلم أن القيراطين بالدفن
إنما هما لمن صلى عليها , فيحصل له بالدفن والصلاة جميعاً قيراطان , وبالصلاة على
انفرادها قيراط , وقد جاءت روايات الحديث في الصحيح ببيان هذا.." انتهى من "شرح
المهذب" (5/237) .
يشير رحمه الله إلى ما رواه البخاري (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ
دَفْنِهَا ، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ
مِثْلُ أُحُدٍ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ) .
وقال أيضاً رحمه الله : "وفيما يحصل به قيراط الدفن وجهان...., قلت : والصحيح أنه
لا يحصل إلا بالفراغ من الدفن لرواية البخاري ومسلم : (ومن تبعها حتى يفرغ من دفنها
فله قيراطان) ، وفي رواية مسلم (حتى يفرغ منها) ...
ثم قال رحمه الله : والحاصل أن الانصراف عن الجنازة مراتب :
1ـ ينصرف عقب الصلاة .
2ـ ينصرف عقب وضعها في القبر ، وسترها باللبن قبل إهالة التراب .
3ـ ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ القبر .
4ـ يمكث عقب الفراغ ، ويستغفر للميت ويدعو له ، ويسأل له التثبيت .
فالرابعة أكمل المراتب ، والثالثة تحصل القراطين ، ولا تحصله الثانية على الأصح
ويحصل بالأولى قيراط بلا خلاف" انتهى من "شرح المهذب" (5/237) .
وقال الحافظ في "فتح الباري" عند شرحه لحديث (47) : ، وقد أثبتت هذه الرواية : (
وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ
يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ ) أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والدفن وأن
الصلاة دون الدفن يحصل بها قيراط واحد وهذا هو المعتمد.." انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " المشروع لمتبعها ألا ينصرف حتى توضع في القبر ويفرغ من دفنها , وهذا كله على سبيل الاستحباب , لكن الأفضل ألا ينصرف التابع للجنازة إلا بعد الفراغ من الدفن حتى يستكمل الأجرين : أجر الصلاة , وأجر الاتباع...." انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/178) .
وهذا إذا كان انصرافك من الجنازة لغير ضرورة ، أما إن كان لضرورة ، فلك الأجر كاملاً إن شاء الله تعالى، وذلك لما رواه أنس رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ : ( إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ! قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ) رواه البخاري (4423) ، وفي رواية لمسلم (1911) : ( إلاَّ شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ).
قال النووي رحمه الله في شرحه للصحيح مسلم : " وفى هذا
الحديث فضيلة النية في الخير وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه
حصل له ثواب نيته.." انتهى.
قال الحافظ ابن حجر رحمه لله "...وفيه أن المرء يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه
العذر عن العمل.." انتهى من "فتح الباري" .
والله أعلم