الحمد لله.
وهذه طائفة من كلام بعض أئمة أهل السنَّة في إثبات تلك
الصفات لرب العالمين والرد على من عطَّلها :
1. قال الإمام الترمذي – بعد أن روى حديث - أبي هريرة - :
"قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية
أن الناس يرون ربهم ، وذِكر القدَم ، وما أشبه هذه الأشياء .
والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن
المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم : أنهم روَوا هذه الأشياء ثم قالوا : تُروى هذه
الأحاديث ونؤمِن بها ولا يقال كيف ، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تُروى هذه
الأشياء كما جاءت ويؤمَن بها ولا تفسَّر ولا تُتوهم ولا يقال كيف ، وهذا أمر أهل
العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه".انتهى من" سنن الترمذي " ( 4 / 691 ) .
2. وقال الامام ابن خزيمة رحمه الله:
"باب ذِكر إثبات الرِّجل لله عز وجل وإن رغمت أنوف المعطلة الجهمية الذين يكفرون
بصفات خالقنا عز وجل التي أثبتها لنفسه في محكم تنزيله وعلى لسان نبيه صلى الله
عليه وسلم" .انتهى من" كتاب التوحيد " ( 2 / 202 ) وساق بعده حديث أبي هريرة السابق
.
3. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وقد غَلِطَ في هذا الحديث المعطلةُ الذين أوَّلوا قوله ( قدَمه ) بنوع من الخَلق ،
كما قالوا : الذين تقدَّم في علمِه أنهم أهل النار ، حتى قالوا في قوله ( رِجلَه )
: كما يقال : رِجْل من جَرادٍ ! .
وغَلَطُهم من وجوهٍ :
فإنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( حتى يضع ) ، ولم يقل : حتى
يُلقي ، كما قال في قوله : ( لا يَزَال يُلقَى فيها ) .
الثاني : أن قوله ( قدَمه ) لا يُفْهَم منه هذا ، لا حقيقةً ولا مجازًا ، كما
تَدُلُّ عليه الإضافة .
الثالث : أن أولئك المؤخَّرين إن كانوا من أصاغر المعذَّبين : فلا وجهَ لانزوائِها
واكتفائها بهم فإنّ ذلك إنما يكون بأمرٍ عظيمٍ ، وإن كانوا من أكابر المجرمين : فهم
في الدرك الأسفلِ ، وفي أوّلِ المعذَّبين لا في أواخرِهم .
الرابع : أن قوله ( فينزوي بعضُها إلى بعض ) دليلٌ على أنها تَنضمُّ على من فيها ،
فتضيقُ بهم من غيرِ أن يُلقَى فيها شيء .
الخامس: أن قوله ( لا يزال يُلقَى فيها وتقول هل من مزيد حتى يَضَعَ فيها قدمَه )
جَعَلَ الوضعَ الغايةَ التي إليها ينتهي الإلقاءُ ، ويكون عندها الانزواءُ ، فيقتضي
ذلك أن تكون الغايةُ أعظمَ مما قبلَها .
وليس في قول المعطِّلةِ معنًى للفظ ( قدمه ) إلا وقد اشترك فيه الأول والآخر ،
والأوّل أحقُّ به من الآخر" .
انتهى من" مختصر الفتاوى المصرية " ( 2 / 110 ) و " جامع المسائل " ( 3 / 239 ، 240
) .
ثالثاً:
وأما توهم أن وضع القدم ، أو أخذ القبضة من النار يستلزم أن تحيط النار بصفة من
صفات ربنا جل وعلا ؛ فهذا إنما يلزم لو كانت صفاته كصفات البشر ، أو كانت أفعاله ،
من القبض والوضع وغير ذلك ، مثل أفعال البشر ، فأما إذا قلنا إن الله تعالى (
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فلا يلزم
شيء من ذلك ؛ وتأمل سمع الله لأصوات خلقه ، وإجابة دعائهم ، لا يشغله صوت عن صوت ،
ولا دعاء عن دعاء ، ورزقه لهم جميعا ، لا يشغله شأن عن شأن سبحانه ، تعلم أن ما
توهمته لازما لذلك ، غير وارد في هذا الباب ، وإنما يرد على من يقول بالتشبيه
والتمثيل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
روى الدارقطني عن العباس بن محمد الدُّوري قال : سمعت
أبا عبيد القاسم بن سلاَّم وذَكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي وموضع القدمين
وضحك ربنا من قنوط عباده وقُرب غِيَرِه وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء وأن جهنم
لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمَه فيها فتقول : قط قط ، وأشباه هذه الأحاديث ،
فقال : هذه الأحاديث صِحاح ، حملَها أصحابُ الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض ، وهي
عندنا حق لا نشك فيها ، ولكن إذا قيل : كيف وضع قدمَه ؟ وكيف ضحك ؟ قلنا : لا
يُفَسَّر هذا ، ولا سمعنا أحداً يفسِّره .
انتهى من" الصفات " للدارقطني ( ص 68 ، 69 ) .
ومعنى ( قُرب غِيَره ) : قُرب تغيّر الحال من الجدب إلى الخصب .
وما ذكرناه سابقاً هو التأصيل الصحيح في صفة القدم لله
تعالى وصفة " الوضع " وهو منطبق على صفات الله تعالى وأفعاله كلها ، ومنه ما جاء في
السؤال من إخراج الله لطائفة من أهل النار لا يستحقون الخلود فيها بقبضته سبحانه
وتعالى ، فنثبت ذلك على اللائق بجلاله تعالى ، ولا نخوض بالكيفية ؛ لأن طريقها موصد
عن الخلق .
وانظر جواب السؤال رقم ( 127681
) .
والله أعلم