الحمد لله.
ولو كان المجال مفتوحاً لكل امرأة أن تدَّعي على شخص
بأنه اغتصبها لأوشكت السجون أن تمتلأ بكثير من خصوم أولئك النسوة ، ولم يستطيعوا أن
يثبتوا براءتهم ، فليست المسألة فوضى ليؤخذ قول المرأة على أنه حق ويقين ، وإلا
لادعته المرأة على عشيقها السابق ، انتقاماً منه ! أو على الأغنياء والمشاهير
لابتزازهم ! أو على والدها وأخيها لتخرج من ولايتهم وسلطتهم ، وفي هذا دمار
للمجتمعات .
ثالثاً :
لا يُقبل قول المرأة أنها أكرهت على الزنا إلا بدليل أو قرينة قوية ؛ أما من غير
دليل على ذلك ، فإنه يقام عليها الحد كالزاني .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
ولا عقوبة عليها إذا صحَّ أنه استكرهها وغلبها على نفسها ، وذلك يُعلم بصراخها ،
واستغاثتها، وصياحها .
" الاستذكار " ( 7 / 146 )
رابعاً :
وجود السائل المنوي للرجل في المرأة لا يدل على وقوع جريمة الاغتصاب ! إذ قد يكون
حصل ذلك بإرادتها فتكون مستحقة للعقوبة مثله ، ويحتمل أنها ادعت عليه بأنه اغتصبها
بسبب خلاف بينهما لتوقع عليه العقوبة أو لتبتزه ، فلا يكون هذا دليلاً على وقوع
جريمة الاغتصاب ، بل لا يكون هذا دليلاً على وقوع جريمة الزنا ! إذ من الممكن أن لا
يكون قد حصل جماع حقيقي ويكون المني قد دخل في فرجها أو أدخلته هي ، والاحتمالات
القائمة كثيرة ، والحدود لا تَثبت في الشرع بالاحتمالات بل بالبينات ، ونتائج ال "
D N A " قد يقع فيها الخطأ والتبديل والتزوير فلا تنهض لتكون بيِّنة شرعية تقام بها
الحدود الشرعيَّة .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 103410
) نص قرار " مجلس المجمع الفقهي الإسلامي " - التابع لرابطة العالم الإسلامي - بشأن
البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها ، ومما جاء فيه :
"أولاً : لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي ،
واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص ؛ لخبر : (
ادْرَؤوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلى
نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة" انتهى .
ففي هذا القرار : أن العقاب الشرعي (الحد) قد لا يمكن تطبيقه على المتهم المجرم إذا
لم تتوفر البينة التي حددها الشرع لثبوت الجريمة ، ولكن قد تكون هناك قرائن قوية
على ثبوت الجريمة على المتهم .
فهنا .... للقاضي أن يعاقب المتهم بالعقوبة التعزيرية التي يراها .
وبالتالي .. لا ينجو المتهم من العقاب .
ولئن نجا هذا المجرم من عقاب الدنيا فليس ذلك قصوراً في الشرع ، بل قد يكون بسبب
عدم وجود الأدلة الكافية ، أو تقصير القاضي أو قصوره .... إلخ .
ومع ذلك .. فهناك عقاب الآخرة الذي ينتظره إن لم يتب جريمته ، أو لم يعف الله عنه .
والله أعلم